أصدر المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي قبل أسبوع قراراً بتعيين الشيخ نعيم قاسم، الأمين العام لـ "حزب اللّه"، ممثِّلاً له في لبنان، بحسب وكالة أنباء تسنيم الإيرانية الرسمية. لكنّ القرار على صراحته بأن "الحزب" أداة تمارس عبرها إيران الحروب المتنقلة، لا يلغي حقيقة أن "حزب اللّه" بات اليوم أحد أبرز العارفين والمدركين بأنَّ المسار العسكريّ لم يعد خياراً متاحاً لعدّة أسباب. منها على سبيل المثال لا الحصر، انقطاع الأموال الإيرانية والطريق السورية لتهريب السّلاح وتمويل الشيعة المغتربين وانهيار القرض الحسن وسواها من أبواب الرزق.
ورغم أن ذلك قد يبدو محزناً للبيئة التي نشأت لسنوات طويلة وهي تضعُ حياتها على كفّها، فداءً للقضية، وتأثُّراً بخطابٍ لا ثاني له في الشدّ على العصَب الديني والعقائدي، إلّا أنه يشكل بارقة أمل للبنان الذي لا يمكن أن يقوم إلّا بجميع مكوّناته ومن بينها الشيعة. وسيبقى "حزب اللّه". وربما يحقق في السياسة نجاحاً لم يحقّقه في الحرب.
تكفي جولةٌ سريعة من سوق معوّض إلى الغبيري مروراً بالسفارة الكويتية والمدينة الرياضية والكولا وسواها من المناطق التي كانت مهجورة خلال حرب العدو الإسرائيلي على لبنان، لتشعرَ المرء بأن الحياة عادت لتدبّ في هذه المنطقة. قد يجد البعض المنطقة غريبة لأنه لم يعتَدها، نتيجة الوهم المزروع في نشأتنا بأن هناك مناطق مخصصة لطوائف وأحزاب دون سواها. وحين يسمع أحد كلمة "بسطا" يردّدها google maps يعتقد أنها Pasta.
إن هذه المنطقة من الضاحية الجنوبية لبيروت على زحمتها، جزءٌ لا يمكن إغفاله من لبنان أو مَحوه أو تجاهله. فهؤلاء أهلنا جميعاً، يرمّمون اليوم ما تهدّم بأمل كبير ونشاط واضح. ويحتاجُ "حزب اللّه" اليوم لأن يتوجه إلى جمهوره الكبير، بخطاب مقنع لإرشادهم إلى الداخل اللبناني في عملية إصلاح وترميم يحتاجها الجميع. وقد يحدثُ هذا التوجيه عبر الأمين العام أو عبر شخصية أخرى إذا أثبتت الأيام أنه لن يستطيع ملء فراغ السيد حسن نصراللّه. ويا لها من مهمّة! وتحتاج إيران لأن تكبح شهيّتها في تغيير وجه المنطقة. وهو ما سيحرص الرئيس الأميركي دونالد ترامب على إتمامه.