حضر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني مؤتمراً دولياً في باريس لدعم سوريا أمس، في وقت تسعى فيه الإدارة السورية الجديدة إلى اقناع القوى الغربية، التي لا تزال تراقب تصرّفاتها، برفع العقوبات عن دمشق، بينما أبدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استعداد فرنسا لبذل المزيد من الجهود لمحاربة الجماعات الإرهابية في سوريا، مؤكداً أنه لا ينبغي أن تشهد البلاد عودة جماعات تابعة لإيران.
وشارك في المؤتمر، الذي شكّل جرعة دعم سياسية ودبلوماسية ومالية لـ "سوريا الجديدة"، وزراء من دول المنطقة مثل لبنان والسعودية وتركيا إلى جانب قوى غربية، لكن الولايات المتحدة مثلها حضور دبلوماسي أقلّ مستوى. وقال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في بداية الاجتماع: "نريد أن يتوقف استغلال سوريا في زعزعة استقرار المنطقة، بل على العكس من ذلك، نريد أن يتمكّن السوريون من التركيز اليوم على نجاح عملية الانتقال وتعافي بلادهم".
وكان لافتاً تأكيد ماكرون خلال المؤتمر أنه سيستقبل الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع قريباً في باريس. واعتبر أن "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي يشكّل الكرد عمودها الفقري ويدعمها الغرب، يجب أن تدمج في القوات الوطنية السورية، لكنه شدّد على أن الغرب يدين بفضل لـ "قسد" ولا ينبغي التخلّي عنها، في إشارة واضحة لمشاركتها في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية". وكشف أنه "سيحصل اللاجئون السوريون على تصاريح عبور للعودة إلى سوريا ثمّ الرجوع إلى فرنسا".
وفي الختام، صدر بيان مشترك عن 20 دولة من القوى الإقليمية والغربية، باستثناء الولايات المتحدة، أكدوا فيه أنهم سيعملون على "ضمان نجاح الانتقال لما بعد الأسد في إطار عملية يقودها السوريون وتخصّهم، بجوهر المبادئ الأساسية لقرار مجلس الأمن رقم 2254"، كما سيُقدّمون "الدعم اللازم لضمان عدم قدرة الجماعات الإرهابية على خلق ملاذ آمن لها مجدّداً في الأراضي السورية". وأكد بارو تعهّد بلاده بتخصيص 50 مليون يورو لمساعدة سوريا هذا العام.
في السياق، أكد ممثلون عن عدد من المنظمات الدولية المعنية بالتنمية خلال المؤتمر حرصهم على المساعدة في إعادة إعمار سوريا من خلال ضمان رفع العقوبات عنها في القطاعات ذات الأولوية، مثل الطاقة والنقل والتعليم. وأعرب المشاركون عن رغبتهم في العمل معاً لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى كلّ أنحاء سوريا من دون أي عوائق. كما أبدوا رغبتهم في عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بصورة آمنة وطوعية. وفيما لم يهدف المؤتمر إلى جمع الأموال، سيتولّى هذه المهمة مؤتمر المانحين السنوي الذي سيُعقد في بروكسل في 17 آذار.
توازياً، تلقى الشرع اتصالاً هاتفياً من رئيس الوزراء الكندي المستقيل جاستن ترودو، الذي هنأ الشرع على توليه رئاسة سوريا، مؤكداً دعم كندا للشعب السوري لتحقيق التقدّم والاستقرار وتعزيز الأمن في سوريا. وتعهّد أيضاً بالعمل على رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، كاشفاً أنه سيُرسل مبعوثاً خاصاً إلى سوريا في إطار تقديم المساعدة للشعب السوري.
في الغضون، شدّدت لجنة تشكّلت للتحضير لمؤتمر وطني في سوريا على أن الجماعات التي ترفض إلقاء السلاح والخضوع لسلطة وزارة الدفاع لن يكون لها أي دور في الحوار الوطني حول مستقبل البلاد، ما يثير احتمال استبعاد "قسد" من المؤتمر الوطني. وبينما انتقد السياسي الكردي السوري البارز صالح مسلم اللجنة التحضيرية، معتبراً أنها لا تعكس التنوّع العرقي والديني في سوريا، أفاد دبلوماسي غربي متخصّص في الشأن السوري لوكالة "رويترز" بأن اللجنة ليست بالشمول الذي كانوا يأملونه، إذ ستة من أعضائها السبعة هم من المسلمين السنة وغالبيتهم لديهم روابط قوية مع الشرع أو "هيئة تحرير الشام".
على صعيد آخر، تدقق دمشق في إمبراطوريات الشركات التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات والمملوكة لحلفاء الرئيس المخلوع بشار الأسد، وأجرت محادثات مع بعض هؤلاء الأثرياء في ما يؤكد أنها حملة لاستئصال الفساد والنشاط غير القانوني. ووفق مراسلات اطّلعت عليها "رويترز" بين مصرف سوريا المركزي والبنوك التجارية، فإن الإدارة الجديدة أصدرت أوامر بعد أيام من سيطرتها على دمشق تهدف إلى تجميد الأصول والحسابات المصرفية للشركات والأفراد المرتبطين بالأسد، وشملت في وقت لاحق على وجه التحديد أولئك المدرجين على لوائح العقوبات الأميركية.