ديتمار بـيـبـيـر

رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي:

يحقّ لجميع البلدان استخدام الطاقة النووية لأغراضٍ سلميّة

3 تشرين الأول 2020

المصدر: DER SPIEGEL

02 : 01

يناقش رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي في هذه المقابلة اتفاق إيران النووي، وطموحات بلدان مثل المملكة العربية السعودية بتطوير طاقة نووية، والأسباب التي تجعله يعتبر هذه الطاقة المثيرة للجدل صديقة للبيئة.

بدأ استخدام القوة النووية يتوسع في بلدان كثيرة، وقد بَنَت الصين وحدها أكثر من 50 مفاعلاً جديداً أو تخطط لبنائها. في الوقت نفسه، تفكر بلدان إضافية مثل المملكة العربية السعودية وتركيا بتصنيع أسلحة نووية. وتوسّع دول أخرى ترساناتها، بما في ذلك كوريا الشمالية. تضمن الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا التزام مختلف الدول بمعاهدة الحد من الانتشار النووي وإبقاء محطات الطاقة النووية آمنة. يرأس الدبلوماسي الأرجنتيني رافاييل غروسي (59 عاماً) الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ كانون الأول 2019 وتُعتبر مراقبة برنامج إيران النووي على الأرجح من أكثر مهامه دقة. خلال محادثات في طهران في الشهر الماضي، نجح غروسي في تسهيل عمليات التفتيش في منشأتَين مشبوهتَين.

في العام 2015، التزمت طهران بتقليص برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها ورفع الحظر على توريد الأسلحة التقليدية. انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من ذلك الاتفاق في العام 2018 لكن تصرّ الأطراف الأخرى على التمسك به.

هل تظن أن قادة إيران يريدون تصنيع قنبلة نووية؟

أنا أراقب ما يحصل عن قرب. لكن بصفتي مفتشاً، يُفترض ألا أطلق أي توقعات عن النوايا. في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يجب أن نتمتع بأعلى درجات الدقة والصرامة والإنصاف. ويجب أن نفكر دوماً بجميع الاحتمالات.


إكتشف فريقك أن إيران بدأت تكثّف عمليات تخصيب اليورانيوم. متى سيحصل البلد على كمية كافية من اليورانيوم المستخــــدم في الأسلحة لتصنيع قنبلة نووية؟


لا نستطيع أن نطرح أي تقديرات حول المدة المحتملة، بل إننا نستكشف الكميات ومستويات التخصيب. إكتشفنا أن إيران تملك اليورانيوم المخصّب اليوم بكميات تفوق ما كانت تملكه قبل سنتين. لكن لا تزال هذه الكميات أصغر بكثير من مخزونها عند التوقيع على الاتفاق الإيراني في العام 2015.


إستخــدم خبــراء مستقلــون بيانـــات الوكالة الدولية للطاقة الذرية كي يستنتجــوا أن إيــران لا تحتــاج إلى أكثر من ثلاثة أشهر ونصف لإنتاج اليورانيـــوم الـــلازم لتصنيـــع قنبلة. وأصدرت الحكومـة الأميركيــة بدورهـا تحذيراً في هذا المجال!


أنا أحترم هذه التحليلات، لكني لا أوافق عليها بالضرورة. يجب أن نبقى حذرين طبعاً لكن من الضروري أيضاً أن نحلل الوضع بموضوعية: حتى لو حصل البلد على كمية كافية من اليورانيوم، لا يعني ذلك أنه يستطيع تصنيع سلاح نووي فوراً.



رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي والرئيس الإيراني حسن روحاني في طهران



زرتَ طهران شخصياً في شهر آب الماضـي وتكلمتَ مـع الرئيـس حسـن روحاني وقادة بارزين آخرين في البلد. ينكر النظام اهتمامه بتصنيع قنبلة ذرية. لكن هل من سبــب آخر لتفسير توسيـع برنامجه النووي؟

يصعب أن نحدد حقيقة ما يريده الآخرون. أنا أكتفي بقول ما يلي: في آخر عشرين سنة، أثبتت إيران تماسكاً لافتاً في نشاطها النووي.


هل يجب أن نعتبر هذا الوضع مصدر قلق؟


طبعاً. تراجعت تلك النشاطات بعد التوقيع على الاتفاق النووي لكنها لم تتوقف بالكامل يوماً. هذا السلوك ليس غريباً بالنسبة إلى بلدٍ وقّع على معاهدة الحد من الانتشار النووي شرط أن نطبّق واجباتنا ونتابع مراقبة التطورات. برنامج إيران النووي متطور جداً، وثمة خطط لتوسيع محطة للطاقة النووية ومختبرات بحثية ومنشآت للتخصيب. لهذا السبب، نتكل على نظام تفتيش واسع النطاق. لقد أجرينا أكثر من 400 عملية تفتيش في إيران خلال السنة الماضية.


ما هو عدد المفتشين في إيران؟

العدد سرّي. لكن تبقى فِرَقنا هناك طوال الوقت، على مدار السنة كلها.


نتيجة زيارتك، قد تخضع محطتان قديمتان ومهدومتان جزئياً، كانت إيران قد أخفتهما عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، للتفتيش. تكلمت طهران عن تنازل "طوعي". أليس البلد مُلزَماً بقبول عمليات التفتيش؟


هذا الموقف له دلالة سياسية معينة. القيادة الإيرانية ملزمة بالقبول لكنها تتعامل بحساسية مفرطة حين تُجبَر على أي عمل.


هل تعتبر عمل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية هناك الآن نجاحاً شخصياً لك؟


إنها خطوة بالغة الأهمية في مطلق الأحوال. شككت إيران صراحةً بسلطتنا القانونية التي تسمح لنا بتفتيش الموقعَين. هذه المشكلة كانت تحتاج إلى حل وإلا قد يظهر بلد آخر قريباً ويقول لخبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية: أنتم تريدون التحقق من أمر معيّن، لكننا لن نسمح لكم برؤية شيء.


لماذا تريدون معرفة هذا الكمّ من المعلومات عن أحداث وقعت على الأرجح قبل سنوات عدة؟

ما من تاريخ لانتهاء صلاحية المواد النووية مثل السلع الغذائية. وإذا اكتشفنا أدلة على وجود اليورانيوم عالي التخصيب، لا بد من التساؤل: أين اختفت تلك المواد؟


تَقِلّ الاتفاقيات الدولية الأخرى التي أصبحت مثيرة للجدل بقدر الاتفــــــــــــاق الإيراني. ألم يهلــك هذا الاتفاق أصلاً؟

بل إنه حي جداً بالنسبة إلى البلدان التي تلتزم به. أكدت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وإيران على أهمية هذا الاتفاق. يسود خلاف معيّن لأن البلدان الغربية الثلاثة تزعم أن إيران تنتهك الاتفاق. وتشتكي إيران في المقابل من سوء سلوك الطرف الآخر. لا أحد يقوم بشيء، لكن يريد الجميع منا أن نتابع عمليات التفتيش. يذكّرني هذا الوضع بالرقصات الإيمائية في مسرح "كابوكي" الياباني.


تذكر تقاريرك الخاصة أن الإيرانيين ينتهكون بكل وضوح بنود الاتفاق.

الأمر أشبه بركن سيارة في منطقة يُمنَع الوقوف فيها. أنا أضع تذكرة وقوف السيارة على الزجاج الأمامي ثم تتلاحق السيارات تدريجاً. سرعان ما يقول المالك: ليستمر هذا الوضع، لدي الحق بركن سيارتي هنا!


تقول هذا الكلام وكأنه مزحة لكنك تستطيع أن تنتقد الوضع بقوة. ألا تتساهل أكثر من اللزوم مع الإيرانيين؟

نحن لسنا طرفاً من الاتفاق، بل نملك تفويضاً بصفتنا مفتشين بكل بساطة. من واجب الآخرين أن يستخلصوا الاستنتاجات من نتائجنا.


هل تشعر بالضغوط من الدول الكبرى في العالم؟

هذا ما أشعر به في كل لحظة من كل يوم. الرياح تعصف بي من جميع الاتجاهات. كيف يُفترض أن أتصرف حين تستعرض دولة كبرى قوتها أو تطلق تهديدات مبهمة؟ فكرتُ بهذا الموضوع ملياً. أنا لا أحارب أحداً ولا أشعر بالإحباط. الدول تعكس مصالحها الوطنية وأستطيع تقبّل ذلك.


تملك كوريا الشمالية أسلحة نووية أصلاً. هل العالم مضطر لتقبّل هذا الوضع بكل بساطة؟

لا. لا يملك البلد الحق بامتلاكها.





ما زلت تراقــــب كوريا الشمالية عبر صـــــــــور الأقمار الاصطناعيـــــــة مثلاً. ماذا تعرف عن هذا الملف؟

نعرف أن منشآت إنتاج جديدة بُنِيت خلال العقد الماضي. لكن اضطر مفتّشو الوكالة لمغادرة البلد في العام 2009، لذا تبقى معلوماتنا ناقصة.


هل تتوقع أي نتائج ملموسة من المحادثات بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحاكم كوريا الشمالية كيم جونغ أون؟

لم تحصل أي اختبارات إضافية على الأسلحة النووية منذ ذلك الحين. أبلغني وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بأن الحوار السياسي مستمر. لا أعرف تفاصيل كثيرة عن الموضوع لكني أتمنى أن تكون هذه المحادثات مثمرة. نحن على أتم استعداد لإرسال مفتّشينا في أي وقت.


يفكر الرئيس التركي وولي العهد السعودي علنـــاً باكتسـاب أسلحة نووية. هل يقلقك هذا الوضع؟

لا أوافق على هذا التوصيف. ما أعرفه هو أنها مجرّد تصريحات سياسية، وهي لم تكن مشجّعة. على أرض الواقع، نشعر بالقلق من مستوى التزام البلدَين بواجباتهما بموجب معاهدة الحد من الانتشار النووي. لكني لا أرى أي مؤشر على خرق القانون.


أنت منفتح جداً على الخطط السعودية ببناء محطة للطاقة النووية، وهو شرط مسبق لإنتاج اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة يوماً.

يحق لجميع البلدان التي وقّعت على معاهدة الحد من الانتشار النووي أن تستعمل الطاقة النووية لأغراض سلمية. إذا قدّمنا الدعم التكنولوجي لهذا النوع من الجهود، سنزيد سيطرتنا على الوضع ولا علاقة لهذه المسألة بتطوير إنتاج الأسلحة.


أنت تؤيد دعم محطات الطاقة النووية في المعركة ضد التغير المناخي. ألا تستخف من خلال هذا الموقف بالمخاطر المطروحة؟

سبق وناقشتُ هذا الموضوع مع عدد هائل من نظرائي الألمان. الطاقة النووية هي طاقة نظيفة بما لا يدعو للشك، فهي تخلو بشكلٍ شبه كامل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. توفّر علينا محطات الطاقة النووية المعاصرة 2 جيغا طن من انبعاثات غازات الدفيئة سنوياً في قطاع توليد الكهرباء العالمي.


لكن لا يتحقق ذلك إلا إذا كان الوقود الأحفوري البديل الوحيد عن الطاقة النووية وهو ليس كذلك.

أنا لستُ من جماعات الضغط التي تدعم القطاع النووي، لكني لا أستطيع أن أغفل عن الوقائع العلمية. تؤدي محطات الطاقة النووية دوراً مهماً في مجال الطاقة في بلدان كثيرة. ونحرص في الوكالة الدولية للطاقة الذرية على ضمان تشغيلها بطريقة آمنة.


لم يتم العثور بعد على منشآت التخزين النهائية الآمنة للمخلفات النووية، إذا وُجِدت أصلاً.

هذه المسألة تتعلق بالقبول الاجتماعي في المقام الأول. ستظهر حلول مناسبة يوماً ما.


هـــل كـــان القـــرار الألمـــاني بوقـــف استخــــدام القـــوة النوويـــة بوتيـــرة تدريجية خاطئاً؟

لن أجرؤ على قول ذلك مطلقاً. نحن نتعاون جيداً مع السلطات الألمانية. لكنّ ما تفعله ألمانيا يُعتبر فريداً من نوعه في العالم وأتمنى لها الأفضل.