حاولت الكتابة في شأن آخر، لكن المشادة بين ترامب وزيلينسكي لم تبارحني، وجرّت أصابعي إلى لوحة المفاتيح (الكيبورد) جرّاً. الواقعة دخلت التاريخ. قبل المشادة غير المسبوقة، قال ترامب: زيلينسكي ديكتاتور. ولربما بوتين نفسه اعترته الدهشة وهو يخسر هذا اللقب أمام زيلينسكي.
باختصار، ولّى زمن الكياسة. الضرر تعدّى شؤون السياسة الدولية، إلى علم النفس الاجتماعي. سلوك الفرد والجماعات يتجه إلى الإفلات من الضوابط. أصبحت للوقاحة مرجعية ستتأثر بها الأجيال الشابة، وتنعكس في العائلة والعمل وكل جوانب الحياة.
كان ينقص طامة «السوشيال ميديا» ترامب وصديقه إيلون ماسك، ولا عجب أنهما بالتغريد يغيّران مصائر ويخربان بيوتاً ودولاً. هناك فيلم أميركي حاز جوائز في مطلع الثمانينات عنوانه «سنة العيش في خطر». الفيلم قصة حب في ظل نظام استبدادي في إندونيسيا، يبدو أمامنا أربع سنوات من العيش في خطر، من دون قصص الحب. تاجر العقارات دخل عالم التلفزيون ببرنامج «المتدرب» واشتهر بترداده عبارة «أنت مطرود». العنف اللفظي بدأه ترامب باكراً.
من سخرية القدر أنه يعتبر رونالد ريغان مثاله الأعلى. ريغان كان ممثلاً قبل أن يخوض في السياسة، ولم يخلُ خطاب له من نكتة. خطابات ترامب راجمات قدح وذم. ريغان قال لسلف بوتين «سيد غورباتشيف أَسْقِطْ الجدار»، وسقط الاتحاد السوفياتي بعد سنتين ونصف. السيد ترامب متعهد بناء الجدران من الحدود مع المكسيك إلى غزة.
حتى زيلينسكي كان ممثلاً كوميدياً ولعب مرة دور معلم مدرسة أصبح رئيساً للجمهورية في مسلسل «خادم الشعب». دارت الأيام وترامب يُخيِّر زيلينسكي بين العودة إلى التدريس أو أن يصبح «خادماً» له. يوم الجمعة قيل لـ «خادم الشعب»، «أنت مطرود»، وقيل له كيف تأتي إلى البيت الأبيض من دون ربطة عنق؟ قبل أيام مسح ابن ماسك مخاطه بخشب المكتب البيضوي. المكتب هدية من الملكة فيكتوريا قبل 145 سنة.
لا بد أن ملك الأردن شكر ربه، فقبل أسبوعين اعتصم بالصمت وعض شفتيه بينما كان ترامب يتلاعب بالبشر والحجر في عقار اسمه غزة. على الكرسي ذاتها جلس زيلينسكي ووقع في مصيدة أعدها نائب الرئيس جي دي فانس.
ولّى زمن العراقة وتقاليد عصر النبلاء. ماسك نفسه أتى به ترامب ليقول لآلاف الموظفين «أنتم مطرودون». يُشتَهَرُ عن راعي البقر الأميركي (الكاوبوي) بتدجينه الثور الهائج. هل ترامب كاوبوي أم ثور هائج؟ على سيرة الأفلام أيضاً، حاز روبرت دي نيرو أوسكاراً على دوره في فيلم «الثور الهائج»، وهو قصة ملاكم تدمرت حياته لأنه سريع الغضب. لا أحد في أوروبا قادر على تهدئة الثور إلا ربما رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، التي تتبادل وإياه الاستلطاف السياسي.
الرجل يريد أن يشتري باطن الأرض في أوكرانيا وما فوق غرينلاند وما تحتها. في مذكراتها سألت أنجيلا ميركل البابا فرنسيس «كيف أتعامل مع شخص مثل ترامب»؟ قال لها البابا: «شدّي شدّي ولكن لا تقطعي». تماماً هذا ما فعله زيلينسكي بعدما خرج من المصيدة.
في لبنان، أين نحن من كل هذا؟ ماذا لو حملت رياح التغيير المواتية غبار الفظاظة الترامبية؟ على الجيش اللبناني أن يداهم آخر مخزن أسلحة في جرود الهرمل، وإلا لا مساعدات عسكرية للجيش وممنوع أن تدفع الجهات والدول المانحة دولاراً واحداً لإعادة الإعمار. ترامب قد يفعلها، فماذا سنفعل؟ لا شيء من دون ثمن، والبلدان الضعيفة قد تدفع الثمن من دون الحصول على شيء. من تحف هوليوود فيلم بعنوان «12 رجلاً غاضباً»، في إدارة ترامب العدد أكبر، ويشمل نساء نصيبنا منهن مورغان أورتاغوس.