ريتا عازار

"مهرجان البستان" 2025... انتصار الموسيقى على الأزمات

كم يُشبه "مهرجان البستان" هذا العام السيمفونية الخامسة لبيتهوفن، إذ عاش الصراع ثم الانتصار، وغلب التحدّيات. هو "ليس مجرّد فعاليّة موسيقيّة، بل رسالة صمود وإصرار على أنّ الفن يبقى دائماً أقوى من الأزمات"، كما قال لـ "نداء الوطن" عضو اللجنة المنظمة للمهرجان الدكتور جورج حدّاد، الذي كشف أيضاً عن تحدّيات تنظيم نسخة هذا العام من المهرجان بعنوانه المعبِّر "فجر جديد"، في ظل أصعب الظروف التي مرّ بها لبنان، وتحدّث عشيّة إسدال الستارة على موسم هذه السنة من "مهرجان البستان" عن النجاحات التي حققها على الرغم من كل العوائق. 

يستعيد حدّاد بدايات التخطيط لهذا الموسم قائلاً: "حين بدأت نائبة رئيسة المهرجان الوزيرة لورا لحّود العمل على المهرجان، كنا في أحلك أيام الحرب، بلا أي بصيص أمل. الفكرة الأولى كانت إقامة ليلة واحدة فقط، ليلة "لبنان في أغنية". لكن مع وقف إطلاق النار، انطلقنا إلى مشروع متكامل، ومن حفلة وحيدة إلى مهرجان متكامل في وقت قياسي".

إنجاز مهرجان بهذا الحجم خلال وقت قصير كان تحدّياً هائلاً، علماً أنّ التعاقد مع الموسيقيّين العالميّين يتطلّب عادةً سنوات من التحضير. لكن رغم ذلك، نجح الفريق، بقيادة الوزيرة لحّود، في إقناع مجموعة من الفنانين الذين يحملون للبنان محبّةً خاصة بالمشاركة. من بينهم عازف البيانو بوريس بروزوفسكي، الذي زار لبنان للمرة الخامسة، والأكورديونيست فليسيان بروت، الذي زاره للمرة الثالثة، حيث أكد الرجلان أنه "إذا كانت هناك طائرة واحدة متجهة إلى لبنان، فسنكون على متنها!".


برنامج غنيّ ومنوّع

على الرغم من ضيق الوقت، استطاع المهرجان تقديم 12 حفلة موسيقية تنوّعت بين الموسيقى الكلاسيكية، الأوبرا، الغناء الشرقي، وموسيقى الجاز. ومن أبرز المشاركين اللبنانيين كان المايسترو لبنان بعلبكي، الفنان جورج خبّاز، وعازف البيانو عبد الرحمن الباشا. كما قدّم "كورال جامعة اللويزة" في كنيسة اليسوعيّة أمسية بعنوان "فيا كروسيس" لليتس، جسّدت "درب الصليب" الذي ينتهي بالقيامة، وكأنها تعكس واقع لبنان.


وقد حمل المهرجان الموسيقى إلى الناس في أماكن مختلفة، حيث عزف ألكسندر بولداتشيف على آلة الـ "harpe" في عين المريسة، فيما قدم فيليسيان بروت واستيرغ سيرانوسيان حفلة في "المتحف الوطني" أمام طلاب المدارس الرسمية، لتعريف الأجيال الناشئة بقيمة الفن والموسيقى.


لحظات استثنائية

يقول الدكتور حدّاد لـ "نداء الوطن" إنه يصعب اختيار لحظة مميّزة واحدة، لأنّ كل حفلة كانت بمثابة هدية للبنان. لكنه أشار إلى أن أمسية "لبنان في أغنية" كانت من أكثر العروض تأثيراً، حيث اجتمع الأب خليل رحمة، مع لبنان وسميّة بعلبكي، وجورج خبّاز، في ليلة غمرت فيها المشاعر الجمهور، فغنّى الجميع حبّهم للبنان بشغف، آملين بثّ الحياة في وطنهم.


أما المفاجأة الأكبر فكانت استقدام "أوركسترا الحرس الجمهوري الفرنسي"، وهو أمر لم يكن متوقَّعاً أبداً، إذ تمكّنت الوزيرة لورا لحود من إقناع السلطات الفرنسية بإرسال هذه الفرقة الرسميّة إلى لبنان، فكان حدثاً استثنائيّاً زاد من البُعد الدولي للمهرجان، وقد رافق الفرقة صحافيّان فرنسيّان لتغطية الحفل.


اهتمام إعلاميّ عالميّ

ويؤكد حدّاد أنّ الصحافة المحليّة والعالميّة أولت اهتماماً كبيراً بالمهرجان، لا سيما مع مشاركة أنيتا راشفيلشفلي، التي أبهرت الجمهور بأدائها لـ "كارمن"، هي التي سبق وغنّت على أرقى المسارح العالمية مثل "أوبرا متروبوليتان". كما أنّ مشاركة فليسيان بروت، الذي عزف في افتتاح "الألعاب الأولمبية" في باريس، لاقت اهتماماً كبيراً من الصحافة الفرنسية.


وختم الدكتور حدّاد حديثه بالتأكيد أنّ المهرجان يتطور باستمرار، إذ يجرى التخطيط حالياً لمهرجانَي 2026 و2027، مع السعي إلى إدخال المزيد من التنوع الموسيقي.


وبذلك يكون "مهرجان البستان" في موسمه هذا، قد عاد بقوّة ليُثبت أنه ليس مجرّد عنوان لنشاط فنّي سنويّ، بل هو نبض ثقافي ينبعث من قلب لبنان، ليؤكد أنّ الفن باقٍ ما دام هناك من يؤمن به ويحتضنه.