ترأس قداس عيد البشارة وصلاة بمناسبة العيد الوطني اليوناني

عودة: نرزح تحت نير انهيار اقتصادي وصعوبات سياسية وأمنية لغياب الرغبة بالإصلاح

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الاورثوذكس المطران الياس عودة خدمة القداس الإلهي بمناسبة عيد البشارة، في كنيسة البشارة، حي الفرنيني - الأشرفية.


وبمناسبة العيد الوطني اليوناني، أقام صلاة خاصة حضرها القنصل اليوناني في لبنان مع أعضاء من الجاليتين اليونانية والقبرصية في لبنان.

بعد قراءة الإنجيل المقدس ألقى المطران عودة العظة الآتية: 


أَحِــبَّــائـي، نُــعَــيِّــدُ الــيَــوْمَ لِــعِــيـدِ بِـشـارَةِ سَــيِّــدَتِـنـا والِــدَةِ الإِلَــهِ. إِنَّــهُ عِـيـدُ إِعْـلانِ الـمَـلاكِ جِــبْــرائِـيـلَ لِـلـعَــذْراءِ مَــرْيَــم أَنَّـهـا سَــتَــحْــبَــلُ وتَــلِــدُ ابْــنَ الله. عِــنْــدَمـا نَــغُــوصُ فـي أَعْـمـاقِ هَـذا الـلِّـقـاءِ الإِلَـهِـيِّ، نَــكْــتَــشِـفُ أَهَــمِّــيَّــةَ عِـيـدِ الـبِـشـارَةِ فـي الـلَّاهـوتِ الأُرْثُـوذُكْــسِــيِّ وفـي حَـياتِـنـا الـيَـوْم.



يُـعْــتَــبَــرُ عِـيـدُ الـبِـشـارَةِ حَـجَــرَ الـزَّاوِيَـةِ فـي الإِيـمانِ الأُرْثـوذُكْـسِيِّ إِذْ يُــؤَكِّــدُ عـلى سِــرِّ الـتَّجَـسُّـدِ الإِلَهـيّ. نَـقْــرَأُ فـي الإِنْجـيـلِ بِحَـسَـبِ لـوقـا الإِنْجِـيـليِّ (1: 26-38) أنّ رَئِـيـسَ الـمَلائِـكَةِ جِـبْـرائِـيـلُ ظَـهَــرَ لِــمَـرْيَم الـعَــذْراءِ قـائِـلًا: «سَـلامٌ لَــكِ أَيَّــتُـهـا الـمُـنْعَــمُ عَـلَـيْـهـا. الــرَّبُّ مَـعَــكِ!». بِـهَــذِهِ الـكَـلِـمـاتِ، أَعْــلَــنَ رَئِـيـسُ الـمَلائِـكَـةِ خِـطَّـةَ اللهِ الإسْــتِــثْــنــائِــيَّــةَ لِـلـسُّــكْــنَـى بَــيْــنَ الــبَـشَـرِ فـي شَخْـصِ الــرَّبِّ يَـسـوعَ الـمَـسِـيح. أمّـا إِجـابَـةُ الـعَــذْراءِ مَــرْيَــمَ الـمُـتَـواضِعَـة: «هـا أَنـا أَمَـةٌ لِــلـرَّبِّ، فَــلْــيَــكُــنْ لـي كَــقَــوْلِــكَ»، فَـتَــدُلُّ عـلـى خُـضُـوعِـهـا الـكامِـلِ لإِرادَةِ الله، مـا جَـعَــلَهـا نَـمـوذَجًـا لِـلطَّـاعَـةِ والإِيمانِ لِـجَـمِـيعِ الـمُـؤْمِنـيـن.



يُــؤَكِّــدُ حَــدَثُ الـبِـشـارَةِ أَيْــضًـا عـلـى الـعَـلاقَــةِ الـعَــمِــيـقَــةِ بَــيْــنَ الـعَــهْــدَيْــنِ الـقَـدِيـمِ والـجَـدِيـد. فَــفِــي إِعْــلانِ الــبِـشـارَةِ بِــمِــيـلادِ الــمَــسِــيح، تَـعْــكِـسُ كَـلِـمـاتُ رَئِــيـسِ الــمَـلائِــكَـةِ جِــبْــرائِــيـلَ نُـبـوءاتِ أَسْــفـارِ الـعَـهْــدِ الــقَــدِيـمِ الـمُــقَــدَّسَـةِ، خُـصـوصًـا نُــبـوءَةَ إِشَــعْـيـاءَ الــنَّـبِـيِّ عَــنْ عَــذْراءَ تَـحْـبَـلُ وتَــلِــدُ ابْــنًــا (7: 14). يُــؤَكِّـدُ الـلَّاهُـوتِــيُّــونَ الأُرْثُـوذُكْــسِــيُّــونَ عـلـى إِسْــتِــمْــرارِيَّــةِ خِــطَّــةِ اللهِ الـخَـلاصِــيَّــةِ عَــبْــرَ الـتَّـارِيخِ، الَّـتي تَــبْــلُـغُ ذُرْوَتَـهـا فـي تَـحْـقــيـقِ هَــذِهِ الــوُعـودِ الـقَـدِيـمَـةِ مِــنْ خِــلالِ الــمَــسِـيـح. هَــكَـذا، تُـمَــثِّــلُ الــبِـشـارَةُ ذُرْوَةَ تـارِيـخِ الـخَـلاصِ، وتُــشَــكِّــلُ جِــسْــرًا بَــيْــنَ الـعَـهْــدَيْــنِ الـقَــدِيـمِ والـجَــدِيـدِ، وتُــدَشِّــنُ عَــصْــرًا جَــدِيــدًا مِــنَ الــنِّــعْــمَــةِ والـمُـصـالَــحَــةِ بَــيْــنَ اللهِ والــنَّــاس.



عِـلاوَةً عـلـى ذَلِـكَ، تُــسَــلِّــطُ بِـشـارَةُ والِــدَةِ الإِلَـهِ الـضَّـوْءَ عـلى الــدَّوْرِ الــمِـحْـوَرِيِّ لِــمَــرْيَـمَ الـعَــذْراءِ فـي مَــشْــرُوعِ اللهِ الـخَـلاصِـيّ. يُــكَــرِّمُ الـمَـسِـيحِـيُّـونَ الـعَــذْراءَ بِاعْــتِـبارِهـا والِـدَةَ الإِلَـهِ، مُـعْــتَــرِفِـيـنَ بِـمَـكانَــتِهـا الـفَــرِيـدَةِ وقـائِــلِـيــنَ إِنَّهـا فـائِــقَـةُ الـقَـداسَة. مِـنْ خِـلالِ إِجابَــتِهـا، قَــبِـلَـتْ والِـدَةُ الإِلَـهِ الـدَّعْــوَةَ الإِلَهِــيَّـةَ، بِـكامِـلِ حُـرِّيَّــتِهـا، لِــتُـصْـبِحَ أُمَّ رَبِّــنـا، مُـظْـهِــرَةً تَـواضُعًـا ونَـقـاءً وتَـكْـرِيـسًا لا مَــثـيـلَ لَـه. فـي إِجـابَــتِـهـا، نَـشْـهَــدُ ذُرْوَةَ الـتَّعـاوُنِ الــبَـشَــرِيِّ مَـعَ نِـعْــمَـةِ اللهِ، ونَـمُــوذَجًـا لِـلـتَّــلْـمَــذَةِ لِـجَـمِـيعِ الـمُــؤْمِـنـيـنَ، لـذلـك عِــنْـدَما نُـكَـرِّمُـهـا، نُـكَــرِّمُ بِهـا رَبَّــنـا يَـسُـوعَ الـمَسـيحَ، كَـمـا أَعْــلَــنَ الِـقـدِّيـسُ يُـوحَـنَّــا الـذَّهَــبِـيُّ الـفَــمِ بِــبَــلاغَــةٍ قــائِــلًا: «كُــلُّ إِكْـرامٍ نُــقَــدِّمُــهُ لِــمَـرْيَـمَ يَـعُــودُ إلـى مَـجْـدِ الـمَـسِـيح».



كَــذَلِــكَ، يَـحْـمِـلُ حَــدَثُ الـبِـشـارَةِ مَـفـاهِـيـمَ جَـوْهَــرِيَّـةً فـي رؤيــتِــنـا إلـى الـطَّـبِـيـعَـةِ الـبَـشَـرِيَّـةِ وقُــدْسِـيَّـةِ الـحَـياة. بِـاخْــتِـيـارِهِ الـدُّخُـولَ إلـى العـالَـمِ مِـنْ خِلالِ أَحْـشـاءِ امْــرَأَةٍ، يُــؤَكِّــدُ الــرَّبُّ كَـرامَـةَ كُــلِّ حَـيـاةٍ بَــشَـرِيَّــةٍ وقُــدْسِـيَّــتَـهــا، مُــنْــذُ الـحَـبَــلِ بِـهـا حَـتَّـى الـمَـوْتِ الطَّـبِــيـعِـيّ. يُــؤَكِّــدُ الـلَّاهُـوتُ الأُرْثُـوذُكْـسِيُّ عـلى قُــدْسِـيَّـةِ الإِنْـسـانِ بِـاعْــتِــبـارِهِ ذُرْوَةَ خَـلِــيـقَـةِ اللهِ، الـمَـدْعــوّ لِـلـشَّــرِكَـةِ مَـعَ الإِلَـه. هَــكَـذا، تَـحُــثُّــنـا الـبِـشَـارَةُ عـلى احـتـرامِ قُــدْسِـيَّـةِ الـحَـيـاةِ وحِـمايَـةِ أَعْــضاءِ الـمُـجْـتَـمَـعِ الأَكْـثَــرِ ضُـعْــفًـا، بِـمـا فـيـهــم الَّــذِيــنَ لَــمْ يُــولَــدُوا بَــعْــد، والـمُـهَــمَّــشِـيـنَ، والـمَــرْضَى والـمُـضْـطَـهَــدِيـن.



تُـشَـكِّـلُ بِـشَـارَةُ والِــدَةِ الإِلَـهِ مَـصْـدَرَ رَجـاءٍ وعَــزاءٍ لِـجَـمِـيعِ الَّــذِيـنَ يَــطْــلُــبُــونَ رَحْــمَـةَ اللهِ وفِــدَاءَهُ. فـي وَسَــطِ عـالَـمٍ مُـضْـطَـربٍ وسـاقِــطٍ، تُــعْــلِــنُ رِسـالَـةُ الـبِـشـارَةِ «الــبُـشْـرى الـسَّـارَّةَ» عَــنْ مَـحَـبَّـةِ اللهِ وأَمـانَــتِــهِ الــلَّــتَــيْــنِ لا تَــنْــضَـبـانِ. وكَـمـا فَــتَـحَـتْ ال«نَـعَــمُ» الـتي قـالَـتْهـا مَـرْيَـمُ بـابَ الخَلاصِ لِـلـبَـشَـرِيَّـةِ جَـمْـعـاء، كَــذَلِــكَ نَـحْــنُ مَــدْعُــوُّونَ لِــلــرَّدِّ بِـإِيـمانٍ وثِـقَـةٍ عـلـى وُعُــودِ الله. عِــنْـدَما نَــتَــأَمَّــلُ فـي سِـرِّ الـتَّــجَــسُّــدِ، عـلـيـنـا الإقْــتِــداءُ بِــمِــثـالِ الــعَــذْراءِ مَــرْيَـمَ فـي الــتَّـواضُعِ والـطَّـاعَـةِ والـتَّـكْـرِيـسِ، وأَنْ نُــعْــلِــنَ بِـفَــرَحٍ مَــوْسِـمَ مَـجِـيءِ الـمَـسِـيحِ إلـى العـالَـم.



يُـشـكّـلُ عِـيـدُ الـبِـشـارَةِ مَـنـارَةَ رَجـاءٍ وشَـهـادَةٍ لِـمَـحَـبَّـةِ اللهِ غَـيْـرِ الــمَـحْـدودَةِ لِـلــبَـشَرِيَّـة. لــذا نَحْـنُ مَـدْعُــوُّونَ مِـنْ خِلالِ هَــذا الحَـدَثِ الـمُـقَـدَّسِ، إلـى الـدُّخـولِ، فِـي عِــمْــقِ سِـرِّ الـتَّـجَـسُّـدِ، وقَــبُــولِ دَعْــوَتِــنـا كَـأَبْـنـاءِ اللهِ الأَحِـبّـاء. رَجـاؤُنـا فـي هَـذا الـعِـيـدِ أَنْ نَـسْـتَـجِـيـبَ، مِـثْـلَ والِـدَةِ الإِلَــهِ، لِـدَعْــوَةِ اللهِ بِـإِيـمانٍ وثِـقَـةٍ، حَــتَّـى نَـكُــونَ نَــحْــنُ أَيْـضًـا «مُـنْــعَــمًــا عَــلَــيْــنــا».



يـا أحِـبّـة، يَـحـتَـفِــلُ الـيـومَ إخـوتُـنـا الـيـونـانـيـون بِـعـيـدِهـم الـوَطَـنـيّ، عـيـدِ نَـيْــلِـهــم الـحُـريَّـةَ والإسـتـقـلالَ بَعـدما ثـاروا عـلـى الـوجـودِ الـعـثـمـانيّ فـي أرضِـهِــم، وقـامـتْ حَـربُ الإسـتـقـلالِ الـتـي انـتـهـتْ بـانـسِحابِ الأتـراك وإعـلانِ اسـتـقـلالِ الـيـونـان مَـطـلـعَ ثـلاثـيـنـاتِ الـقـرنِ الـتـاسعِ عـشـر. فـهـنـيـئـاً لـهـم الإسـتـقـلالُ والـعـيـشُ فـي حُـرّيـةٍ وكـرامـةٍ، وفـي ازدهـارٍ، بـفـضـلِ إرادةِ الإصــلاحِ، فـيـمـا نـحـن مـا زلـنـا نَــرزَحُ تـحـتَ نـيـرِ انـهـيـارٍ إقـتـصـاديٍّ وصُـعـوبـاتٍ سـيـاسِـيَّـةٍ وأمـنـيَّـةٍ لـم نـسـتـطـعْ تَـجـاوُزَهـا بـسـبـبِ عَـدَمِ وُجـودِ إرادةٍ لـلإصـلاحِ والإنـقـاذِ وتَـجـاوُزِ الـخِـلافـاتِ والـمَـصـالِـح.


نَـتَـمَـنّـى لإخـوتِـنـا الـيـونـانـيـيـن، ولـلـسـفـيـرةِ الـيـونـانـيـة الـعـزيـزة، ولـكـلِّ أعـضـاءِ الـجـالـيـةِ الـيـونـانـيـة فـي لـبـنـان عـيـداً سـعـيـداً، ولِـبَـلَـدِنـا لـبـنان الـقِـيامَـةَ مِـنَ الـهـاوِيَـة. لِــيَــحْــفَــظْــهُــم اللهُ ويَــحْــفَــظْ بَــلَــدَيْــنـا لـبـنـان والـيـونـان".