جاد حداد

الدماغ البشري ليس أفضل من أدمغة الثدييات الأخرى

10 تشرين الأول 2020

02 : 00

تكشف مسوحات دماغية لأكثر من 100 نوع من الثدييات، بما في ذلك البشر، أن فاعلية نقل المعلومات في الدماغ تكون بالمستوى نفسه لدى جميع الثدييات بغض النظر عن حجمها.

يتألف دماغ الثدييات من جهتَين تتواصل فيهما مسارات معروفة بالمحاور العصبية. يتقاسم نصفا الكرة المخية المعلومات على طول تلك المحاور. وتتوقف سرعة انتشار المعلومات في الدماغ على عدد نقاط الاشتباك العصبي التي تمر بها، أي التقاطعات بين الخلايا العصبية.

يشمل النظام المثالي عدداً من الروابط الطويلة لنقل المعلومات بسرعة بين مختلف أجزاء الدماغ. لكن يترافق إنتاج هذا الكم من الروابط العصبية مع كلفة معينة لدى الحيوانات.

يظن الناس عموماً أن البشر، بسبب تطورهم المتقدم، يحملون روابط دماغية بما يفوق الحيوانات الأخرى، فتسمح لهم بنقل المعلومات في أنحاء الدماغ بوتيرة أسرع وأكثر فاعلية.

لكن تُعارض دراسة جديدة هذه الفرضية. مسح الباحثون أدمغة أكثر من 120 نوعاً مختلفاً من الثدييات واكتشفوا أن الروابط الدماغية لا تكون أعلى مستوى لدى البشر ولا تتوقف على حجم الدماغ.

تستنتج هذه الدراسة أن جميع الثدييات يحمل مستويات متشابهة من الروابط الدماغية. نُشرت نتائجها في مجلة "علم أعصاب الطبيعة".





فرضية الروابط الدماغية

ظهرت الفكرة القائلة إن الروابط الدماغية تكون أكثر فاعلية في الدماغ البشري منذ وقت طويل. يوضح المشرف الأول على الدراسة يانيف عساف: "لطالما افترض عدد كبير من العلماء أن الروابط في الدماغ البشري تكون أعلى مستوى من الحيوانات الأخرى. إنه تفسير محتمل لتفوق الوظائف الدماغية لدى "الحيوان البشري".

لاختبار هذه الفرضية، استعمل عساف وفريقه نوعاً من المسوحات الدماغية، وهو التصوير بالرنين المغناطيسي المُوزَّن بمعامل الانتشار، لمسح أدمغة 123 فصيلة مختلفة من الحيوانات، بما في ذلك البشر. إنها المرة الأولى التي يضع فيها الباحثون أدمغة معظم تلك الحيوانات داخل جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي.

تعددت أنواع الحيوانات في الدراسة، منها القوارض والقرود وحتى الدلافين. تراوح حجم الدماغ لديها بين 0.1 وأكثر من ألف ملل.

كذلك، مسح الباحثون أدمغة 32 شخصاً واستعملوا برنامجاً لإعادة بناء الشبكة العصبية لدى كل فصيلة، بما في ذلك الخلايا العصبية التي تنقل المعلومات ونقاط الاشتباك العصبي التي تشكّل نقطة التقاء بينها.


قانون عام

لتقييم الروابط الدماغية لدى كل فصيلة، طبّق الباحثون مقاربة رياضية مبنية على عدد نقاط الاشتباك العصبي التي يُفترض أن تعبرها المعلومات للوصول إلى نقطتَين محددتَين داخل الدماغ.

يوضح عساف: "في كل دماغ فحصناه، قمنا بقياس أربعة معايير: مستوى الروابط في كل نصف كرة مخية، ومستوى الروابط بين النصفَين الدماغيَين، وحجم الروابط الإجمالية.كذلك، احتسب الباحثون معياراً اسمه "المسار المتوسط القصير"، أي الحد الأدنى من الروابط التي تحتاج إليها المعلومات للتنقل بين جزءين من الشبكة. يشير ارتفاع ذلك المسار إلى تراجع الروابط الدماغية.

حين قارن العلماء هذه القياسات بين مختلف الأجناس، اكتشفوا أن الروابط الدماغية لا تتوقف على حجم الدماغ وبنيته لدى الثدييات.

يضيف عساف: "بعبارة أخرى، تشمل أدمغة جميع الثدييات، بدءاً من الفئران الضئيلة مروراً بالبشر وصولاً إلى الثيران الضخمة والدلافين، المستوى نفسه من الروابط وتتنقل المعلومات فيها بالفعالية نفسها. كشفت دراستنا قانوناً عاماً عن الحفاظ على روابط الدماغ مفاده أن فاعلية نقل المعلومات في الشبكة العصبية الدماغية تكون متساوية لدى جميع الثدييات، بما في ذلك البشر".

رصد الباحثون أيضاً آلية يستخدمها الدماغ للحفاظ على عدد متوازن من الروابط التي يستعملها لنقل المعلومات. حين كانت الروابط بين النصفَين الدماغيَين كثيرة، بقيت الروابط داخل النصفَين الفرديَين من الدماغ منخفضة والعكس صحيح. تضمن هذه الآلية أن تتزامن وفرة الروابط في جزءٍ من الدماغ مع تراجع الروابط في جزءٍ آخر منه.

وعلى عكس الروابط الدماغية الإجمالية، برزت اختلافات في هذه العملية بين مختلف الفصائل. يقول المشرف الرئيس على الدراسة، يوسي يوفيل: "تشمل أدمغة بعض الجرذان أو الخفافيش أو البشر مستوىً أعلى من الروابط بين النصفَين الدماغيين على حساب الروابط الموجودة داخلهما، مقارنةً بحيوانات أخرى من الفصيلة نفسها".

أخيراً، اكتشف الباحثون اختلافات في حجم التوازن بين الروابط لدى حيوانات مختلفة من الفصيلة نفسها. في ما يخص البشر، قد تخفي هذه الاختلافات قدرات معرفية مختلفة أو حتى كفاءات في مجالات معينة مثل الرياضيات أو الموسيقى. من المتوقع أن تستكشف الأبحاث المستقبلية هذا الموضوع بالتفصيل.


MISS 3