العظماء لا يُقاسون بلحظات التألّق، بل بكيفية ردّهم عندما يغمرهم العالم بالشكوك.
كوبي براينت، أسطورة كرة السلة، لم يبدأ مسيرته بالبطولات، بل بكُرات هوائية في لحظة مصيرية بإحدى مباريات البلاي أوف. سخر منه الجمهور، وانهالت عليه الانتقادات. لكنه لم يختبئ. عاد إلى التمرين في اليوم التالي، وبدأ طريقه نحو القمة. من هناك، وُلدت "عقلية المامبا" — الذهنية التي لا تنهار تحت الضغط، بل تنضج من خلاله.
كيليان مبابي يعيش اليوم فصلاً مشابهاً من هذه الحكاية. حين انتقل أخيراً إلى ريال مدريد، كانت التوقّعات تلامس السماء. الصفقة التي طال انتظارها، والنجم الفرنسي الذي لطالما حلمت به جماهير البرنابيو، أصبح أخيراً في العاصمة الإسبانية.
لكنّ البداية لم تكن كما يأملها الجميع. أداء باهت، تذبذب في المستوى، غياب عن التسجيل، وتراجع في الحضور الذهني… فبدأت الشكوك تتسلّل: "هل تأخر كثيراً؟"، "هل مرّ زمن مبابي؟".
وفي عصر الضجيج الرقمي وردود الفعل المتسرعة، اختار مبابي الصمت.
لكنه كان يُحضّر لردّ من نوع مختلف — ردّ لا يُكتب، بل يُقدَّم على أرض الملعب. ومع انقضاء أقل من موسم، نجح مبابي في معادلة رقم كريستيانو رونالدو التهديفي في موسمه الأول مع ريال مدريد، بتسجيله 33 هدفاً في مختلف البطولات. ورغم أن الرقم ليس الأعلى في تاريخ النادي لموسم أول — والذي يحمله التشيلي إيفان زامورانو برصيد 37 هدفاً في موسم 1994–1995 — إلّا أن مبابي لا يزال يملك الوقت لكسر هذا الرقم، في ظل ما تبقّى من مباريات في الليغا ودوري الأبطال.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، إذ لعب مبابي دوراً محورياً في إبقاء ريال مدريد ضمن دائرة المنافسة على صدارة الليغا، وأعاد الأمل لجماهير الملكي في دوري أبطال أوروبا، بعدما قاد الفريق من دور الملحق إلى ربع النهائي. لم يعد مجرّد نجم في التشكيلة، بل تحوّل إلى القائد، النبض، ومصدر الثقة الأول في اللحظات الحاسمة.
ما يقدّمه مبابي هذا الموسم يتجاوز الأرقام. إنها شهادة على ذهنيّة لا تنكسر، وشخصية بُنيت على التحدّي لا الراحة. في داخله شيء من روح كوبي، عناد كريستيانو، وكبرياء من يرفض أن يكون مجرّد اسم عابر في سجل نادٍ بحجم ريال مدريد.
واليوم، يلوح في الأفق إنجازٌ تاريخي: فوز مبابي بدوري أبطال أوروبا هذا الموسم — والذي سيكون الأول في مسيرته — لن يُضيف فقط لقباً جديداً إلى رصيده، بل سيشكّل بياناً صريحاً للعالم: مبابي لم يأتِ إلى مدريد ليُكمل المشوار، بل ليصنع المجد. ليُعلن نفسه كأقوى مرشح للكرة الذهبية. الكرة الذهبية التي لطالما رآها الجميع مقبلة، يبدو أن مبابي قرر أن ينتزعها في اللحظة التي تُولد فيها الأساطير حقاً.
الموسم الحالي لم يُكتب سطره الأخير بعد، لكن مهما كانت نهايته، فإنّ ما يقدّمه مبابي هذا العام لا يمثل سوى بداية لقصة كبرى. قصة نجم يحمل طموحات نادٍ لا يرضى إلّا بالألقاب، وجماهير لا تقبل بأقلّ من منصات التتويج.
مبابي بدأ كتابة فصله الأول مع ريال مدريد… والفصول القادمة تبدو مُعدّة لتكون أسطورية.