خالد أبو شقرا

الأزمة تطفئ شمعتها الاولى وتفشل في إضاءة درب الحل بإصلاح واحد

الدولة استدانت و... "كتّرت"

12 تشرين الأول 2020

02 : 01

سنة على انطلاق الثورة والإصلاحات ما زالت مهمّشة (فضل عيتاني)
كما "كل الطرق تؤدي إلى روما"، تقودنا كل دروب الأزمة الاقتصادية إلى غياب الدولة. فمهما كانت "وعورة" الموقف الذي نتخبط فيه، سنجد في نهايته طريقاً مرصوفاً بأحجار الفساد والسرقة والمحاصصة والتقاسم والجهل... يسوقنا إلى مكان واحد وهو: عدم تنفيذ الإصلاحات.




الرهان المبني على قيام الدولة بالاصلاحات، سقط، وعلى "جثته" تكاثر "سلاخو" تحميل المسؤولية. في بداية الأزمة احتدم النقاش بين فريق الحكومة ومن خلفه شركة الاستشارات "لازارد"، وبين فريق المصارف ومن خلفه لجنة تقصي الحقائق في المجلس النيابي. وقتذاك كان الصراع على أشده حول أرقام الخسائر المحققة، ومن يتحملها. الفريق الأول قدرها بـ 241 الف مليار ليرة لبنانية وحمّلها لمصرف لبنان والمصارف؛ فيما الفريق الثاني قدّرها بحدود 81 الف مليار، واضعاً المشكلة في تخلف الدولة عن سداد دينها بالليرة والدولار. وقبل التوصل إلى حل وسطي بين هذين الافتراضين بدأت تظهر في الآونة الأخيرة أرقام ودراسات جديدة تفيد بأن "الدولة هي التي أقرضت مصرف لبنان بالعملة الصعبة"، وذلك انطلاقاً من عملية مبادلة مصرف لبنان سندات الخزينة بالليرة التي يصدرها بسندات "اليوروبوندز" التي أصدرتها وزارة المالية. الأمر الذي من شأنه أن يعيد خلط الاوراق ويعقّد المفاوضات أكثر.

الاستدانة بدل الاصلاح

لا أحد ينفي عمليات المبادلة التي حصلت بين سندات "اليوروبوندز" وسندات الخزينة التي أجراها "المركزي" مع "المالية" في محطات سابقة. إلا ان "الهدف من ورائها كان تخفيض كلفة الاستدانة من جهة والتشجيع على الاكتتاب بسندات "اليوروبوندز" التي أصدرتها المالية من جهة ثانية. خصوصاً بعد إحجام الداخل والخارج عن الاكتتاب في هذه السندات في مرحلة معينة"، يقول رئيس فريق الابحاث الاقتصادية في بنك بيبلوس نسيب غبريل."فحاجة الدولة الماسة إلى تخفيض العجز بالموازنة دفعتها إلى إصدار هذه السندات كبديل عن الاصلاح. ولتسويقها لجأت إلى مصرف لبنان ليكتتب بها مقابل سندات الخزينة، والعكس صحيح". وبحسب غبريل فإن "معدل الفوائد على السندات بالعملة الاجنبية وبالليرة كان مقبولاً بالقياس إلى التصنيف الإئتماني وحجم المخاطر الناتجة عن الاختلالات المالية العامة، وسوء ادارة الشأن العام لجهة غياب الحوكمة والادارة الرشيدة، ولنسبة حجم خدمة الدين والعجز الى الناتج المحلي الاجمالي. وبالتالي كان على مصرف لبنان تهدئة الاوضاع الى حين تطبيق الاصلاحات". إلا ان هذا لا يعني بأي شكل من الاشكال صحة افتراض ان الدولة أقرضت مصرف لبنان الدولار. و"كل ما يأتي في هذا السياق ما هو إلى نظريات وافتراضات"، يضعها غبريل "في خانة البحث الأكاديمي المرتكز على النظريات غير المطابقة للوقائع التي تشهد عكس ذلك".


الدولة مدينة بـ 20 مليار دولار

لغاية الأمس القريب كانت ديون مصرف لبنان المقدّرة بـ 87 مليار دولار والفوائد التي يدفعها سنوياً بقيمة 6 مليارات دولار تعتبر من المسلمات. كما انه لغاية أيلول من العام 2019 كانت مستحقات المصارف اللبنانية على "المركزي" تشكل الحصة الاكبر، بمبلغ وصل في أيلول 2019 إلى 58 مليار دولار. وهو الذي يثبت من وجهة نظر مصرفية ان مصرف لبنان هو الجهة التي تُقرض الحكومة العملات الأجنبية من احتياطيه من العملات الصعبة، وذلك من أجل تغطية السندات المستحقة ومدفوعات الفائدة بالعملات الأجنبية، وتسديد كلفة استيراد الفيول لمؤسسة كهرباء لبنان.. وغيرها الكثير من النفقات العامة. كل هذه النفقات تعتبر مستحقات حكومية بالدولار تبلغ كلفتها السنوية حوالى 5 مليارات دولار يسددها المركزي نيابة عن الحكومة. وبالتالي فان ميزان العملات الاجنبية بين الحكومة والمركزي يعتبر دائناً لمصلحة مصرف لبنان بمبلغ 20 مليار دولار أميركي، منها 5 مليارات دولار أميركي سندات يوروبوندز و15 مليار دولار أميركي في شكل ديون متراكمة قام مصرف لبنان بتسديدها نيابة عن الحكومة.الدوامات الدائرية التي خلقها رمي حجر التوقف عن سداد الديون في 7 آذار الماضي في بركة الأزمة المالية، قد تكون مؤشراً آخر الى خطأ الافتراض بان الدولة أقرضت مصرف لبنان الدولار. فما نعيشه اليوم من أزمة ثقة بالنظام المالي وانهيار في سعر صرف الليرة الذي سبب كل آفات التضخم وارتفاع الاسعار، يعود إلى التوقف عن سداد الديون من دون ان تظهر خطة إنقاذية او إصلاحية. ومع الأسف فان الدعوات المحقة لعدم تبديد احتياطي لبنان من العملات الصعبة على دفع الديون لعام 2020 بقيمة تناهز 5.2 مليارات دولار، كانت نتيجتها خسارة مصرف لبنان المبلغ نفسه او اكثر منذ نيسان الماضي على دعم السلع نتيجة فقدان الثقة وانهيار سعر الصرف.



بحت أصوات الثوار ولم يتحقق إصلاح واحد منذ 17 تشرين الاول (فضل عيتاني)


وعلى الرغم من اعتباره قرار التوقف عن الدفع خطأً تاريخياً، فان غبريل واستناداً إلى الاحصاءات العالمية يقول ان "97 في المئة من الحكومات حول العالم أقدمت على التوقف عن دفع دينها الخارجي بعد ان كانت قد دخلت في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وكان جزء كبير منها قد توصل إلى الاتفاق مع الصندوق على برناج إصلاحي وإنقاذي". وبحسب غبريل فان بعد السابع من آذار لم يعد كما قبله. حيث انعدمت التدفقات النقدية بالعملات الاجنبية من الخارج، وفقدنا المصداقية وارتفع العجز في ميزان المدفوعات إلى 7.5 مليارات دولار ذلك كله ولم نبدأ، بعد أكثر من نصف سنة على قرار التوقف عن دفع الديون، المفاوضات بعد مع الجهات الدائنة الداخلية والخارجية، ولم نتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي". وعليه فان الواقع يثبت انه "كان من الاجدى دفع مستحقات 2020، والدخول في برنامج مع صندوق النقد الدولي، وبدء مرحلة التفاوض على مستحقات السنوات القادمة؛ والتي كان أقربها يقع على بعد سنة من آذار 2020". يقول غبريل. "وفي المقابل فان الحكومات المتعاقبة منذ أيلول 2019 لم تأخذ أي قرار للحفاظ على الثقة. وهي عجزت حتى عن تمرير قانون "الكابيتال كونترول" بسبب الخشية من تحمل المسؤولية".

أطفأت الأزمة شمعتها الأولى، ولم تضئ الدولة الدرب بإصلاح واحد حقيقي، ممكن ان يعيد الثقة ويستأنف التدفقات النقدية بالعملات الاجنبية. البلد ينزف والسياسيون ما زالوا يتلهون "بجنس" حقيبة المال ومن يحمل "الكهرباء" ومن يسير بـ"الاتصالات". فيما الحقيقة ان البلد أصبح بلا مال ولا كهرباء... وحبل فقدان أبسط الخدمات معلق على جرار تغييب الإصلاحات.