باتريسيا جلاد

السحوبات الكبيرة مقنّنة... "نصّ" نقداً و"نصّ" بالـ Debit card

حمود لـ"نداء الوطن": كل مصرف يرغب بنقد إضافي يسحبه من "الودائع لأجل"

16 تشرين الأول 2020

02 : 01

حفنة النقود المكدّسة لم تعد تشفي غليل الفقر مع تآكل الليرة بنسبة 80%
المصارف تلقي الملامة على مصرف لبنان بانه يقنّن عليها النقد بالليرة اللبنانية من الحساب الجاري. ومصرف لبنان ينفي صحة أنه حدّد سقوف المبالغ الممكن سحبها من قبل المصارف بالليرة اللبنانية. فيما يقول آخرون إن المصارف التي تسمح بسحوبات عالية استناداً الى التعميم 151 الذي يقضي بسحب الدولار وفق تسعيرة الـ3900 ليرة، استنفدت حسابها الجاري، لذلك عليها تخفيض قيمة السحوبات. تعدّدت الروايات والأسباب إلا أن النتيجة جاءت واحدة، بعض المصارف سيحدّ من سحوبات حسابات العملة الأجنبية نقداً بالليرة على زبائنه، كما سيسدّد قسماً منها نقداً والجزء الآخر يودع في حساب المودع لاستخدامه عبر بطاقة الإئتمان.





من حيث المبدأ، المصارف التي كانت تعطي قيمة عالية من السحوبات تتراوح بين 4000 أو 5000 دولار بالليرة اللبنانية شهرياً لودائع الدولار ستعمد الى تقليصها، أما تلك التي سقف سحوباتها أصلاً متدنية أي نحو 400 دولار شهرياً، فهي ستبقي عليها لغاية اليوم.

وعلمت "نداء الوطن" أن بنك عوده على سبيل المثال سيبقي على سحوباته لغاية اليوم، فيما البنك اللبناني الفرنسي والذي تعتبر سحوباته مرتفعة نسبياً سيبقي على قيمة السحوبات كما في السابق ولكن ستقسّم القيمة الشهرية ويتمّ السحب أسبوعياً...على أن تبقى تلك التدابير غير ثابتة وخاضعة لكل المتغيّرات.

ويقول مصدر مصرفي لـ"نداء الوطن" إن مصرف لبنان سيحدّد القيمة التي يمكن سحبها من حساب المصارف الجاري، وذلك يكون وقفاً على عدد المودعين لدى كل منها والفروع التي لدى البنك... وفقاً لحاجته. واذا أرادت تلك المصارف أن تُكرم بعض زبائنها وتزيد من الحصّة المسموح بها كما تفعل عادة بسبب الضغوطات، فعليها أن تستحصل على ذلك من حسابها المجمّد فتخسر من الفوائد التي تترتّب لها من مصرف لبنان.

أما سبب إقدام "المركزي" على تحديد سحوبات الحساب الجاري للمصارف، وانعكاس ذلك على الزبائن من خلال الحدّ من السحوبات الشهرية من بعض المصارف، وتسديد نصف المبلغ الذي يترتّب عليه نقداً فيما المتبقي يودع في حساب بطاقة الإئتمان، فيعود الى الأسباب التالية:

- إن عدداً كبيراً من اللبنانيين لديهم حسابات في فروع مختلفة ويسحبون يومياً كمية كبيرة من النقد تفوق احتياجاتهم ما يدفعهم الى شراء الدولارات الأمر الذي يساهم في رفع سعر صرف الدولار في السوق السوداء.

- مصرف لبنان يضخّ الكثير من النقد بالعملة الوطنية من خلال المصارف ما يسرّع تصاعد نسب التضخم Hyperinflation علماً أن تلك الأموال لا تعود الى تلك البنوك، بسبب قلّة الثقة وإحجام الناس عن إيداع الأموال في المصارف.

- الحدّ من التداول بالنقد والإعتماد على بطاقات الدفع الإلكترونية. من هنا فالأموال لن تضيع على اللبناني بل سيتمّ تسديد نسبة 50 أو 30% من المبلغ الذي يحقّ للمودع سحبه نقداً فيما المبلغ المتبقي سيودع في حسابه الجاري بغية استخدامه من خلال بطاقة الإئتمان.

- تفادي سيناريو الدولار الأميركي الذي توقف عن التدفّق من الخارج فاقتصرت الحال على خروج تلك العملة فقط من المصارف عبر السحوبات بهدف تخزينها حتى استنفدت من الأسواق.

المتضررون

طبعاً هذا الأمر سينعكس سلباً على التاجر اللبناني الذي سيصبح النقد لديه شحيحاً بغية فتح الإعتمادات والإستيراد من الخارج الأمر الذي استدعى من جمعية المصارف الدعوة الى عقد مؤتمر صحافي لرفع الصوت، وحول ذلك يوضح المصرفي "ليس كل ما يتقاضاه التاجر هو قيمة البضائع المستوردة وإنما جزء كبير منه هو ربحه".

كما سيتضرر من تلك العملية ذلك الذي لديه حسابات في مصارف عدة ويمكنه سحب كميات كبيرة ويخزّنها بغية شراء الدولار. فهذا النوع من المودعين سيشعر بالضيق بعض الشيء ولن يتمكّن من شراء كميات من الدولارات بهدف تخزينها.

وسيطاول هذا التدبير الموظف الموطّن معاشه وكان يتقاضى راتباً كبيراً بالدولار فيحتسب وفق سعر صرف الـ3900 ليرة كأن يكون 19 مليون ليرة مثلاً فسيتقاضى نصفه كاش فقط، وليس من يكون راتبه بقيمة مليون ليرة الذي لن تتغيّر عليه الأمور.

واكّد المصرفي أن الكونتوارات في البنوك لن تتوقّف عن أداء عملها واستقبال الزبائن لأية عملية سحب ولكن عدداً كبيراً منها يعتمد وخصوصاً مع تفشي جائحة "كورونا" على تلبية حاجات اللبنانيين من السحوبات من خلال الصراف الآلي. والسؤال الذي يطرح هو ماذا لو أوقفت المصارف خدمة السحب من الكونتوارات، ما العمل الذي ستؤديه طالما أن التحويلات ممنوعة الى الخارج، وخدمات القروض التي كانت تمنحها متوقفة...؟ فلم ستزيد رؤوس اموالها وتسعى للمحافظة على تواجدها؟ علماً أن البنوك المركزية العالمية تحفّز الـcashless لتسهّل الحياة على مواطنيها، وليس بهدف التقنين وإفراغ الـATM من الأموال نظراً الى كثرة السحوبات.

مشكلة النقد وليس الليرة

وعن دخولنا اليوم في مرحلة شحّ العملة المحليّة، أكّد رئيس لجنة الرقابة على المصارف السابق سمير حمود لـ"نداء الوطن" أنه لا توجد مشكلة في سحوبات الليرة اللبنانية، إنما تدبير "المركزي" يهدف الى "معالجة معضلة التداول بالأوراق النقدية أكثر من استهداف الليرة اللبنانية بحدّ ذاتها. فهو يهدف الى توزيع الأموال التي يترتّب على المودع سحبها بين النقدي وبطاقة إئتمان الـDebit card. اذ يمكن استخدام البطاقة في المطاعم والمحال التجارية فيتمّ الدفع بالليرة اللبنانية من حساب الدولار ووفق سعر الصرف الذي يتقاضى على أساسه الكاش، فتتقلّص عملية استخدام النقد.

وحول تحديد السحوبات للمصارف من الحساب الجاري التابع لكل بنك أوضح حمود أنه "على كل مصرف أن يسحب كمية تفوق تلك المحددة له في حسابه الجاري، عليه أن يقوم بذلك من حساب الودائع لأجل الذي يعود له، وبالتالي سيخسر من الفوائد التي يتقاضاها على تلك الحسابات".

ويوضح أن "الدولارات التي يبيعها البنك المركزي وفق سعر الـ3900 ليرة للدولار الواحد، يضعها مصرف لبنان في الحساب الجاري ويتم سحبها نقداً ما يؤثّر على سعر صرف الدولار في السوق. من هنا أراد "المركزي" أن يخفّف من كلفة الفوائد المرتفعة التي يسدّدها على الحسابات المجمّدة، علماً أن مصرف لبنان كان يتقاضى فوائد من الدولة على سندات الخزينة لديه التي تراجعت بدورها ما ادى الى خفض ايراداته".

وأوضح أنه "ليست هناك ازمة حقيقية بموضوع سحب الناس ودائعها بالليرة اللبنانية، اذ يمكن استخدام الأموال من خلال الشيكات و"بطاقات البلاستيك" اي بطاقة الإئتمان. والأهمّ، كما يرى، أن تبقى عملية احتساب أو سحب الودائع بالعملة الأجنبية استناداً الى التعميم رقم 151 حيث تصرف على سعر الـ3900 ليرة لكل دولار، على أن يتمّ استخدامها في البلاد. ولكن النقد بالليرة اللبنانية يمكن ان يتم تسديده من خلال البطاقة إن لم يكن نقداً، لافتاً الى أن مصرف لبنان لن يخلق أزمة جديدة في ظلّ الأوضاع الصعبة التي نعيشها والتي تتفاقم في ظلّ غياب حكومة الإصلاحات.

اذاً، بعد تقنين ونفاد الدولار ها نحن ندخل في مرحلة تقنين التداول بالنقد بالليرة اللبنانية، للحدّ من شراء الدولار والتخزين...أسباب عديدة تزيد قلق الناس حيال مستقبلهم المالي والإقتصادي والمعيشي المجهول والقابع بين أيدي السياسيين للرسو على برّ الإستقرار والشروع في الإصلاحات. فكلما أضعنا الوقت ضاعت علينا الفرص وتعمّقت مصائبنا واشتدّت علينا أزمتنا المعيشية وزاد فقرنا.