يوسف منصور

كالطفيل المنسية وعرسال المعزولة... لبنانية ولكن!

"معربون" ممنوعة عن الإعلام والتفتيش وصل حدّ رؤية الميت

20 آب 2019

01 : 03

مناداة من أهالي البلدة لإنصافهم فهم ليسوا خارج حدود الدولة

عامان على رحيل المجموعات التكفيرية والإرهابية من جرود سلسلة لبنان الشرقية بعد ترويع البلدات الحدودية وسكانها، تاركةً خلفها مآسي أهالٍ فقدوا أبناءهم على يد تلك المجموعات، وأراضي خسرت نضرتها لعدم تمكن أصحابها من الوصول إليها.

أقفلت تلك المرحلة التي استمرت لأكثر من خمس سنوات على غير رجعة، وبدأ بعدها الأهالي يتنفسون الصعداء، يبحثون عن السبل لإعادة إحياء تلك الأرض، يتشبثون بها رغم غياب الدولة وإنمائها، يتمسكون بهويتهم وبتراب تلك الأرض التي أنبتت رجالاً دفعوا ثمن التمسك بها دماً على مذبح الوطن كعرسال ورأس بعلبك والقاع وغيرها. طوال تلك الأعوام كانت المجموعات الإرهابية تعيق وصول الأهالي إلى جرودهم ليهتموا بأرضهم، حيث اتخذتها ملاذاً آمناً بعيداً من ضربات الجيش اللبناني الذي حررّ الأرض وأعادها إلى أصحابها، كذلك خطف الإرهابيون كثراً وعذبوا من عذبوا لكن إرادة الحياة لدى أبناء المناطق الحدودية كانت أصلب من جور وظلم المسلحين والتكفيريين.

إنتهت الأزمة واستعاد الجيش زمام الأمور، فانتشر على مساحة الحدود الشرقية من الهرمل مروراً بالقاع وعرسال حتى معربون عند حدود بلدة سرغايا السورية، وبسط سيطرته على كامل تلك المساحة، وأنشأ أبراج مراقبة بالتعاون مع البريطانيين، فتوقف جزء كبير من عمليات التهريب التي كانت تتم بين المسلحين باستثناء تهريب الخضار والفواكه عبر المعابر غير الشرعية في الهرمل، وأوقف العديد من الذين تعاملوا مع المجموعات المسلحة في المرحلة الماضية.

نعمة التمسك بالأرض والاستبشار برحيل التكفيريين وعودة الحياة إلى البلدات الحدودية سرعان ما تحولت نقمة للأهالي بعد تضييق الخناق عليهم من قبل بعض النقاط العسكرية المنتشرة، فبلدة معربون الحدودية عند أطراف السلسلة الشرقية شرق بعلبك تحولت إلى ثكنة عسكرية، الخارج منها وكأنه يدخل إلى الأراضي اللبنانية، والداخل إليها كأنه يدخل أراضي غير لبنانية، حيث يتم التعاطي مع الأهالي بمبدأ "تشطيب أسماء الذين دخلوا إلى البلدة عند خروجهم منها" وكأن البلدة أصبحت خارج حدود الدولة والهوية اللبنانية، ويتم التعامل معها بأسوأ مما عوملت به بلدة الطفيل أو حتى عرسال.

عديدةٌ هي المطالبات لقيادة فوج الحدود البري في ثكنة الشيخ عبدالله في بعلبك من قبل أهالي البلدة وفاعلياتها والبلدية والمخاتير لكن من دون جدوى، بل مزيدٌ من التضييق وسماع كلام بأن من اعترض سابقاً ووزع بياناً شجب فيه الإجراءات المجحفة سيحاسب، وهذا ما دفع الأهالي للجوء إلى الإعلام علّ صوتهم يصل إلى قيادة الجيش وتنصفهم.

مصادر من البلدة رفضت الإفصاح عن هويتها أكدت لـ "نداء الوطن" أن البلدة لم تكن يوماً ضد الجيش اللبناني أو مع المجموعات المسلحة، بل يُشهد لها بانضمام أكثر من 500 من أبنائها إلى الجيش، وهي كانت السباقة خلال الأحداث السورية إلى إقفال الحدود بالسواتر الترابية منعاً لهروب مسلحين، ولم تشهد طوال مرحلة الأزمة السورية أياً من المشاكل أو عمليات تفجير أو تسلل تكفيريين عبرها، ولم يلجأ إليها أي من اللاجئين السوريين بل اقتصر الأمر على عائلات لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة كانت متواجدة قبل الأزمة.

وأضافت: "منذ سنتين وبعد رحيل المجموعات المسلحة عن الجرود بما فيها الجرود المحاذية للبلدة، إتخذ الجيش مراكز له في تلك الجرود إضافة إلى تمركزه على أطراف البلدة، وأقام أبراج مراقبة تغطي كل المساحات المحيطة حتى الحدود السورية، إضافةً إلى تمركز ثلاثة حواجز من البلدة حتى محلة النبي إسباط، وعند كل حاجز وخلال مرور أبناء البلدة يصار إلى تسجيل أسمائهم بما فيها حاجز مدخل البلدة، وعند خروجهم تشطب أسماؤهم عن السجل بمعنى أنه قد تم تخريجهم من البلدة، وكأن البلدة منطقة سورية".

وأشارت إلى أن "المراجعات المتكررة لقيادة الفوج المسؤول لم تجدِ نفعاً بل كان الجواب دائماً أن الأمر من قيادة الجيش، كذلك فالسيارات غير المسجلة لم يكن يسمح لها بالمرور، وكأن أوضاع الأهالي هناك تسمح بتسجيل السيارات دفعةً واحدة، ناهيك عن حال الطريق المزرية التي تكبد أبناء البلدة ساعة من الوقت للوصول إلى البلدة ونصف ساعة تفتيش على الحواجز". وتتابع: "بدأ الأهالي يشعرون بالغبن في طريقة معاملتهم وكأنهم يحاسبون على جغرافيتهم، كذلك لديهم مواسم زراعية تحتاج عمالاً يأتون بهم من بعلبك وهو ليس بالأمر السهل جراء تعقيدات إجراءات التسجيل والتدقيق"، لافتةً إلى أن "الأمر وصل أخيراً إلى تفتيش موكب جنازة والإصرار على رؤية الميت وتسجيل السيارات المرافقة رجالاً ونساء، كذلك مُنع أخيراً دخول إعلاميين بقصد الزيارة للبلدة لا لعملٍ صحافي لمجرد حملهم بطاقةً إعلامية وكاميرا، وكأنها بلدة ممنوعة عن الإعلام أيضاً".

وسألت المصادر عن تلك المعاملة، وكأنه يراد تحويل البلدة إلى عرسال ثانية، وبينما تدعو قيادة الجيش ويدعو قائدها، في كل زيارة إلى المناطق الحدودية، الناس للتشبث بأرضهم، فيتم في المقابل التضييق على أبناء البلدة ومعاملتهم كأنهم غرباء عن الوطن.

معاناة ومناداة من أهالي البلدة لإنصافهم، فهم ليسوا خارج حدود الدولة وليسوا خارجين على القانون، هم أبناء بلدة لبنانية يطالبون بمعاملتهم إسوةً بكل المناطق لا أن يضيّق عليهم بسبب كيدية من هنا أو مزاجية من هناك.


MISS 3