رفيق خوري

مخاطر السلاح ومهامه المتعدّدة

خطاب «حزب اللّه» في التنظير للاحتفاظ بسلاحه يركّز على مهمة واحدة من بين المهام المسندة إليه من إيران، إلى جانب بُعدها اللبناني: مواجهة الخطر الإسرائيلي الدائم، وخطورة التخلي عن «قوة» للبنان الذي لا تزال دولته عاجزة عن ردع العدو ومجابهته عسكرياً. لكن هذا الخطاب الذي كان له وقع في الماضي فقد الحدّ الأدنى من قوة الإقناع بعد تجربة الحرب التي قرّر خوضها إسناداً لغزة في اليوم التالي لعملية «طوفان الأقصى» على يد «حماس». فهو مثل التنظير للاشتراكية السوفياتية والدعوة إلى التمسّك بها بعد تجربتها الصعبة وانهيار الاتحاد السوفياتي. ومثل التنظير لأدبيات حزب البعث العربي الاشتراكي بعد التجربة المرّة لحكمه الشمولي والقمع والعنف في العراق وسوريا.


ذلك أن الحرب أكدت الفشل المزدوج لـ «حزب اللّه» وكل «محور الممانعة» المرتبط بالحرس الثوري الإيراني، على الرغم من نوعية الأسلحة واندفاع المقاتلين وخبرتهم في مواجهة إسرائيل المدعومة أميركياً: الفشل في ما سمّي «توازن الردع» مع العدو والتصور أنه «أوهى من خيوط العنكبوت» وأنه مكشوف بالكامل. والفشل في حماية لبنان من التدمير والتهجير وحماية الصفوف الأولى والثانية والثالثة من قيادات «المقاومة الإسلامية»وكوادرها وأسلحتها. لا بل تبيّن أن «حزب اللّه» كان ولا يزال مكشوفاً من خلال التكنولوجيا المتطوّرة في إسرائيل. وما كان أمامه مهرب من قبول اتفاق بوساطة أميركية وفرنسية من موقع المهزوم الذي يعلن أنه منتصر.


وليس من السهل على «حزب اللّه» أن يستمرّ في رفض الاعتراف بالمسؤولية عن الحرب وما قادت إليه والمطالبة بالحصول على «مكافأة» تحت عنوان «الطائفة المجروحة». لا في ظل الوضع اللبناني الجديد بعد لعبة الفراغ. ولا تحت عاصفة التحوّلات المتسارعة في المنطقة بعد حرب غزة ولبنان وسقوط نظام الأسد وغروب المشروع الإقليمي الإيراني. فالوظيفة الداخلية للسلاح تبرز بشدة في هذه الأيام بعد طول إنكار. والتهديد بتفجير لبنان وعودة الحرب الأهلية رداً على التوجه نحو سحب السلاح هو اعتراف ضمني بأن سلاح «المقاومة الإسلامية» له دور في «عسكرة» المكوّن الشيعي. حتى تعبير «المقاومة وأهلها»، فإنه نوع من تمييز مذهب واحد عن بقية الشركاء في البلد.


كلّ هذا ضمن الدور الإقليمي والدولي للسلاح خارج الشرعية، سواء عبر القتال في سوريا دفاعاً عن نظام الأسد وتقديم «الخبرة» العسكرية والأمنية لأذرع إيران في سوريا والعراق واليمن وفلسطين، أو عبر تشكيل خط الدفاع الأول عن طهران والعمل لإزالة إسرائيل وإخراج الوجود العسكري الأميركي من غرب آسيا. وليس من المفاجآت في بيروت سماع من يقول إن السلاح باقٍ حتى «ظهور المهدي»، فهو رجع صدى للصوت الإيراني الصارخ بأن المقاومة الإسلامية، هي «جيش المهدي». وما كان قائد فيلق القدس الجنرال إسماعيل قاآني يغرد خارج السرب حين قال إن «المقاومة في العراق وسوريا ولبنان وغزة واليمن باقية حتى ظهور الإمام الغائب وتأليف حكومته». وهي، حسب الإيمان، حكومة العالم.


ولا نقاش في أمور الغيب. لكن مستقبل لبنان على الأرض مرتبط بالفرصة الجديدة المفتوحة أمامه عربياً ودولياً. والإصرار على الاحتفاظ بالسلاح خارج «احتكار الدولة» هو أكبر خطر على لبنان.


في نظرة إلى حرب لبنان قال المؤرخ برنارد لويس «إن لبنان عوقب بسبب مزاياه لا بسبب أخطائه». وليس من المعقول والمقبول استمرار هذا العقاب.