أنطونيو رزق

خيّب الآمال حول "عمليات الترحيل الجماعية"

ترامب ينجح بضبط الحدود وطرد المجرمين

تعتبر مسألة الهجرة المدماك الأساسي الذي ارتكزت عليه المسيرة السياسية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، فقد لمس الأخير منذ خوضه غمار الانتخابات الرئاسية عام 2016، رفض غالبية الأميركيين طريقة إدارة الحدود الجنوبية مع المكسيك من قِبل الإدارات المتعاقبة، الجمهورية والديمقراطية منها على السواء، والتي سمحت بتدفق ملايين المهاجرين إلى البلاد، الأمر الذي دفعه إلى اعتماد موقف متشدّد حيال هذا الموضوع، ما شكّل عاملاً جوهرياً في صعود نجمه خلال حملته الرئاسية الأولى ودخوله البيت الأبيض بعدها.


ولكن، إثر فوز الرئيس السابق جو بايدن في انتخابات 2020، اعتمد الأخير سياسة "الحدود المفتوحة"، متخلّياً عن السياسات التي اعتمدها ترامب في ولايته الأولى، ما أدّى إلى تحطيم عدد المهاجرين الذين تجاوزوا الحدود خلال ولايته أرقاماً قياسية، الأمر الذي أحسن ترامب استثماره أثناء حملته الرئاسية الأخيرة، حيث ساهم وعده للأميركيين بالسيطرة الكاملة على الحدود ووقف تدفق المهاجرين، وتعهّده بتنفيذ "أكبر عملية ترحيل جماعية في تاريخ أميركا"، بعد فوزه بشكل كبير.


اليوم، وبعد ثلاثة أشهر على بدء ولايته الثانية، تخطّى ترامب التوقعات في تنفيذ وعده بالسيطرة على الحدود، إذ اتخذ سلسلة إجراءات غير مسبوقة لمنع تسلّل المهاجرين غير الشرعيين إلى البلاد، شملت إعلان "حال طوارئ" على الحدود الجنوبية منذ اليوم الأوّل من ولايته، ونقل بعض صلاحيات ضبط الحدود من وزارة الداخلية إلى وزارة الدفاع، ونشر قوات من الجيش الأميركي على الحدود مع المكسيك، وجعل الأخيرة تشدّد ضبطها لحدودها عبر التلويح بـ "عصا" الرسوم الجمركية، فضلاً عن إطلاق يد وكالة "الجمارك وحماية الحدود" وتقويتها.



كما اتخذ ترامب إجراءات ردعية بهدف حض المهاجرين على عدم محاولة القدوم إلى أميركا بصورة غير شرعية، أبرزها الأمر باحتجاز أي شخص يحاول اجتياز الحدود بشكل غير قانوني حتى يحين موعد ترحيله من البلاد، فيما كان يخلى سبيله داخل أميركا سابقاً إلى حين مثوله أمام محكمة للبت بطلب لجوئه. بالنتيجة، أدّى مجموع هذه السياسات إلى تراجع عدد المهاجرين الذين يحاولون التسلّل إلى البلاد عبر الحدود الجنوبية إلى أدنى مستوى له منذ الستينات، حسب صحيفة "وول ستريت جورنال".



في المقابل، يتعرّض ترامب لانتقادات من بعض الشخصيات اليمينية المتشدّدة حول تعهّده بتنفيذ عمليات ترحيل جماعية بحق المهاجرين الذين يعيشون في البلاد بشكل غير شرعي، إذ خيّبت أرقام عمليات الترحيل التي حققتها إدارة ترامب حتى اليوم آمال الكثير من غلاة اليمين. ولكن، يعتمد ترامب مقاربة متوازنة في هذا الإطار، على عكس ما كان يتوقع الكثير من أنصاره ومعارضيه، فقد وضع في رأس أولوياته ترحيل المهاجرين غير الشرعيين الذين ارتكبوا جرائم في البلاد والذين ينتمون إلى عصابات تجارة المخدّرات، التي صنف بعضها "منظمات إرهابية أجنبية"، أبرزها عصابتا "ترين دي أراغوا" الفنزويلية و"أم أس 13" السلفادورية.



في هذا الإطار، رأى الرئيس السلفادوري الشاب نجيب بوكيلة، الذي حوّل بلاده من "العاصمة العالمية للقتل" إلى أحد أكثر البلاد أماناً في أميركا اللاتينية، فرصة لتعزيز وضعية بلاده على الساحة الدولية من خلال عقد صفقة مع إدارة ترامب وصفها وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بأنها "أكثر اتفاقية للهجرة غير عادية وغير مسبوقة في أي مكان في العالم". بالفعل، وافق بوكيلة على استقبال المهاجرين غير الشرعيين المحكومين بجرائم في أميركا من كافة الجنسيات في سجون بلاده المشهود بقدرتها على استيعاب أعداد كبيرة من المساجين. وقد ذهب أبعد من ذلك عبر عرضه نقل المجرمين الأميركيين الخطرين من السجون الأميركية إلى سجونه، الأمر الذي تدرس إدارة ترامب مدى قانونيّته.



على الرغم من تركيز ترامب على ترحيل المجرمين، يتعرّض لحملة إعلامية وسياسية وقانونية تهدف إلى تقويض جهوده في هذا المجال، إذ واجه تنفيذ صفقته مع بوكيلة الكثير من العرقلة من قِبل بعض القضاة الليبراليين، لكن تتصدّى المحكمة العليا التي تتكوّن من غالبية محافظة لمعظم الأحكام المعرقلة، بحيث سمحت أخيراً مثلاً باستكمال ترحيل عناصر عصابة "ترين دي أراغوا" إلى السلفادور، بعدما كان قاض قد أوقفها.



توازياً، استغلّت وسائل إعلامية ومسؤولون وشخصيات سياسية يسارية خلال الأسابيع الأخيرة قضية كيلمار أبريغو غارسيا، المهاجر السلفادوري الذي رحّلته إدارة ترامب إلى سجن في السلفادور، ثمّ أقرّت بأن "خطأ إدارياً" شاب قرارها، لكنها شدّدت على أنه كان يجب إعادته إلى بلاده في كلّ الأحوال كونه مهاجراً غير شرعي وعضواً في عصابة "أم أس 13"، الأمر الذي أكده قاضيان أميركيان في السنوات السابقة لترحيله. لم يمنع كلّ ذلك الديمقراطيين، الذين يعيشون حالاً من الإفلاس السياسي بعد ولاية بايدن الكارثية والصفعة المدوّية التي تلقوها في الانتخابات الأخيرة، من شن حملة للدفاع عن أبريغو غارسيا والمطالبة بإعادته إلى أميركا، وقد وصل الأمر إلى حدّ سفر السيناتور كريس فون هولين إلى السلفادور، حيث قابل أبريغو غارسيا وطلب الإفراج عنه، إنما بوكيلة رفض ذلك.



يتوقع المراقبون أن يستكمل ترامب الإجراءات الفعّالة التي اعتمدها لضبط الحدود الجنوبية، فيما من المرجّح أن يستمرّ في التركيز على ترحيل المهاجرين غير الشرعيين المجرمين، خصوصاً قبل الانتخابات النصفية المقرّر إجراؤها أواخر العام المقبل، إذ يتعرّض الرئيس الجمهوري، على الرغم من مقاربته المعتدلة لعمليات الترحيل، إلى هجمات سياسية مكثفة. لذا، من البديهي أن يخشى أن تتضاعف قوّة الحملة عليه في حال شرع في تنفيذ عمليات ترحيل جماعية تشمل، ضمن أمور أخرى، اعتقال نساء وأطفال وترحيلهم، كما حصل في بعض الحالات أخيراً، وتفكيك عائلات بأكملها. وفي محاولة لتفادي الوصول إلى ذلك، تعمل إدارة ترامب على تحفيز المهاجرين غير الشرعيين على مغادرة البلاد طوعياً عبر تقديم ثمن الرحلة لهم واعطائهم فرصة الحصول على تأشيرة بعد عودتهم إلى بلادهم.