نايف عازار

"الصاروخ الحوثي" يخدش كبرياء "الجبروت الإسرائيلي"

هل يرمّم ردّ تل أبيب على صنعاء صورة ردعها المهشّمة؟

طائرة مدمّرة من جرّاء الضربات الإسرائيلية في مطار صنعاء (رويترز)

يبدو أن كبرياء "الجبروت الإسرائيلي" خُدِش مجدّداً بفعل "الصاروخ الحوثي" الذي نجح بالإفلات من شباك دفاعات الدولة العبرية الجوية المتعدّدة، ليطال محيط مطار بن غوريون الدولي الرئيسي في إسرائيل، ويربك سلطاتها، ما حدا بـ "أنصار الله"، ذراع طهران الوحيدة المتبقية فعلياً على قيد الحياة في المنطقة، إلى التباهي والإعلان عن فرض حظر جوي على الطائرات الآتية إلى المطار.


هذا الصاروخ بطبيعة الحال لم يمرّ مرور الكرام مع الحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو، اللاهث أصلاً خلف الحروب التي تضخ الأكسجين في رئة حكومته، فسارع غداة استهداف المطار إلى توجيه ضربات انتقامية عنيفة إلى الحوثيين، استهدفت في الليلة الأولى ميناء الحديدة ومصنع إسمنت، وفي اليوم التالي مطار صنعاء ومحطات توليد كهرباء ومصنع إسمنت آخر، مخلفةً عشرات القتلى والجرحى.


ضرب "البيئة الحاضنة"

إذا كان استهداف مطار صنعاء يرمي إلى ردّ الاعتبار لمطار بن غوريون، فإن استهداف مصنعي إسمنت ومحطات الطاقة يهدف إلى ضرب "البيئة الحاضنة" للحوثيين، وهي سياسة تنتهجها تل أبيب في حروبها المتواصلة. فضرب معملي الإسمنت قَطع أرزاق آلاف العمّال اليمنيين الذين يعتاشون منهما، ويعيشون تحت رحمة المتمرّدين الحوثيين في مناطق سيطرتهم. أمّا استهداف محطات توليد الكهرباء، فالغاية منه تعطيل حياة المواطنين وتركهم في ظلام دامس، بحكم أن الحوثيين يحتكرون توزيع الكهرباء في مناطق نفوذهم، وربّما يؤدي ذلك إلى تأجيج الغضب المحتقن في نفوس اليمنيين وإثارة النقمة على "أنصار الله".

الردّ الإسرائيلي على "الصاروخ الحوثي"، ألحق إذاً دماراً مهولاً في المواقع المستهدفة في اليمن، وإن كان لم يحدث تبدّلاً جذرياً في موازين القوى على الأرض، إلّا أنه يعيد الاعتبار للحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرّفة، ولقوة ردعها المهشّمة منذ هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأوّل. فتل أبيب تلقّت صفعة موجِعة فجر ذاك السبت من عام 2023 والذي يمكن وصفه بـ "السبت الأسود الإسرائيلي"، وبقي مذّاك وصمة عار على جبين "بيبي" والقادة العسكريين الإسرائيليين. لذلك، لم يعد من الجائز في منظور حكومة نتنياهو وصقورها غضّ الطرف عن أي هجوم تتعرّض له الدولة العبرية، التي انكبّت منذ ذلك الحين على الرسم بالنار معادلة ردع جديدة.


سحب "البساط الإيراني"

لا ريب في أن رئيس الحكومة الإسرائيلية أراد في ردّه العنيف على "الصاروخ الحوثي"، توجيه رسائل في آن إلى "عرّابه الأميركي"، ومعارضيه في الداخل والناقمين على سياساته العسكرية، مفادها أن بلاده لا تعتمد فقط على الضربات الأميركية القاصمة التي تلقاها "أنصار الله" في الأسابيع الأخيرة، بل هي دولة استراتيجية تتخذ قراراتها بنفسها وتنفذها بمعزل عن دعم "العم سام"، وهذا ما قاله لاحقاً نتنياهو، وأكبر دليل على ذلك، أن الهجوم الانتقامي على ميناء الحديدة ومطار صنعاء كان من دون دعم واشنطن واقتصر على التنسيق معها فقط.


ويبقى أن الضربات الإسرائيلية الانتقامية على اليمن، وإن كانت مؤلمة للحوثيين، إلّا أنها ليست قاتلة بالنسبة إليهم، وقد أثبتت التجربة في الأشهر الأخيرة أن ما يمكن أن يضع حدّاً لصواريخ "أنصار الله" ومسيّراتهم التي تُطلق في اتجاه الدولة العبرية إسناداً لغزة، هو إمّا وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المنكوب، وإمّا إحراز تقدّم كبير في المفاوضات النووية بين نظام الملالي و"الشيطان الأكبر"، يؤدّي ربّما إلى سحب "البساط الإيراني" من تحت أقدام الحوثيين.