لا توجد "طائفية" في الانتخابات البلدية، وهي تجري "خارج القيد الطائفي". لا حصص مذهبية، ولا مقاعد مخصصة لطوائف، ولا نصوص دستورية تُقيّد الناخب أو المرشح بهويته الدينية، فما الدروس التي يمكن استخلاصها حتى قبل اختتام الاستحقاق البلدي في الجنوب السبت المقبل؟
- غالباً ما يُقال إن عامة الشعب لا تدرك معنى الطائفية، وأن "الزعماء" يستغلونهم ويؤججون المشاعر الطائفية للحفاظ على كراسيهم. فإذا بنا نشهد في أكثر من مدينة وبلدة تدخل هؤلاء الزعماء لإقناع معشر الناخبين بعدم تشطيب المرشحين المسيحيين بشكل خاص، وكل المرشحين من أقليات مذهبية في نطاق الدوائر البلدية. حملات إعلامية مكثفة، وتباري في إبراز محاسن العيش المشترك، ومطالبات إلى حد الاستجداء، ورغم ذلك ذهب صراخ "لا تشطبوا" أدراج الرياح. العين دائماً على العاصمة بيروت ولكن ماذا عن العاصمة الثانية طرابلس؟ لم ينتخب أي عضو مسيحي أو حتى عضو علوي واحد. وكادت تعود جبهة جبل محسن – باب التبانة لأن عدد المخاتير من الطائفة العَلوية فاق توقعات أهل السُنة!
- هذا النفاق في العامل الطائفي للانتخابات البلدية، يعيدنا إلى "النفاق السياسي" في هذه الانتخابات. سمعت رجل سياسة يقول إنه يدعم إحدى اللوائح في إحدى البلدات "بعيداً من السياسة". جوابه كان رداً على سؤال عن حظوظ اللائحة "المدعومة" من حزبه! وهنا تتداخل الطائفة مع السياسة في لوحة "طائفيةٍ سياسيةٍ" شديدة الوضوح. إذ إن رجال السياسة "يتدخلون" مع الناخب من الطائفة الفلانية لمنع التصويت الطائفي ضد المرشحين من الطوائف الأخرى.
- ما رأي أصحاب نظرية "إلغاء الطائفية السياسية" بشكل عام، ومطالبتهم بانتخابات نيابية "خارج القيد الطائفي"، واعتماد لبنان كله دائرة انتخابية واحدة؟ تكاد الفتن تفلت من عقالها "بلدياً"، فماذا لو استيقظت الفتن "وطنياً"؟ حالياً أشد حَاملي لواء "إلغاء الطائفية السياسية" هما نبيه بري و"حزب الله"، وللتذكير، انتكس التمثيل الصحيح في بلدات وقرى عديدة لأن الشيعة وجدوا أن احتكار التمثيل متاح "ديمقراطياً". وهذا غير مخالف للقانون، أكان السبب تناقضات العائلات والأحزاب المسيحية، أو كان السبب "ديمقراطية عددية".
- ليس مدعاة فخر التذكير بأن شخصاً، وهو رفيق الحريري، ضَمَنَ المناصفة في بيروت، و"أوقف العَدَّ". رغم أن هذه المأثرة الوطنية تُحسب للحريري، ولكن عدم تقدم الأمور والنفوس بعد نحو 30 سنة، حوَّل المأثرة إلى "مكرمة". وفي بيروت أو غيرها من الدوائر منطق "المكرمات" مجحف بحق من يمنحها ومن يتلقاها. مهما تغلَّفَتْ هذه "المكرمة" بتحشيد سياسي عريض لمنع سقوط المناصفة الطائفية، تبقى "مكرمة" مفتعلة بمعزل عن تحقيق هدفها أو الفشل. ومرة جديدة يتضح أن إصلاح النظام السياسي وإصلاح قانون الانتخابات البلدية الطريق الأسلم للتمثيل الصحيح، وليس اللجوء دائماً إلى الالتفاف عبر اتفاقات ظرفية، أو أعراف تبين أنها آيلة إلى السقوط مع مرور الزمن وتوالي الاستحقاقات.
- إنقاذ المناصفة بعمليات سياسية "قيصرية"، مهما أُريدَ تجميلها، ظاهرة مفتعلة، إذا استمرت في المستقبل. ضعف الإقبال على الاقتراع في بيروت مثلاً ظاهرة يجب أن تُدرس من زاوية تأثير تركيبة المجلس البلدي على عدم حماسة الناس، بدليل أن الدوائر غير الفضفاضة تشهد منافسات وإقبالاً أعلى لأن الناخب يشعر بأن صوته مؤثر فعلاً.
- تبدو الحاجة ملحة إلى إصلاحات جذرية في قانون الانتخابات البلدية، تبدأ بتطعيمه بمفاهيم لامركزية أكثر، ولا تنتهي مع تغيير نظام الاقتراع المتخلف. في كل دول العالم تعرف نتائج اقتراع مئات الملايين بعد دقائق من إقفال صناديق الاقتراع وعندنا كادت تبدأ انتخابات بيروت والبقاع قبل أن ينتهي الفرز في طرابلس.
- كل من يطرح إلغاء الطائفية السياسية، ويريد انتخابات نيابية عددية خارج القيد الطائفي، رغم الاستنتاجات الواضحة لما يحصل في البلديات، بصريح العبارة "منافق".