في الوقت الذي يعيش فيه "مخيم شاتيلا" جنوب بيروت على وقع اشتباكات متكررة بين عصابات المخدرات، ما يفاقم مشهد التفلت الأمني ويعمّق معاناة سكانه، تتجه الأنظار إلى زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى لبنان، في محاولة لفتح نافذة في جدار الأزمة. تأتي الزيارة كمبادرة دبلوماسية تهدف إلى معالجة الملفات الشائكة، وعلى رأسها مناقشة خطة متكاملة لنزع السلاح من المخيمات الفلسطينية في لبنان، وتحسين أوضاع اللاجئين، من خلال تشكيل لجنة مشتركة تؤكد على الشراكة، واحترام السيادة اللبنانية، وضرورة إنهاء المظاهر المسلحة الخارجة عن القانون.
الاشتباكات تمتد إلى خارج المخيم
الاشتباكات التي تجدّدت منذ بداية الأسبوع الحالي وأسفرت عن سقوط عدد من القتلى والجرحى، لم تبقَ حبيسة أزقة المخيم، بل هددت الإستقرار في العاصمة بيروت. لقد تحوّلت إلى مؤشر خطير على انفجار اجتماعي وشيك، تغذّيه فوضى السلاح وتفكك المسؤولية السياسية والأمنية.
تشير معلومات ميدانية لـ "نداء الوطن" إلى أن صراعاً مسلحاً اندلع بين مجموعتين تتنافسان على النفوذ والسيطرة في حي يُعد مركزاً رئيسياً لتوزيع المخدرات في مخيم شاتيلا". ولم يقتصر ترويج المخدرات على أزقة المخيم، بل امتد إلى مناطق تقع على الطريق المؤدي إلى مطار رفيق الحريري الدولي والمدينة الرياضية، عبر شبكات "خدمة توصيل" باتت تعمل وكأنها شركات منظمة، وفي وضح النهار.
والأخطر من ذلك أن هذه الشبكات باتت تُجنِّد أطفالاً وشباباً من داخل المخيم، مستغلّة هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وبحسب مصادر فلسطينية مطلعة، هناك مجموعات منظمة تقوم بتوزيع المهام بدقة: من التخزين، إلى التوزيع، إلى التحصيل المالي، بما يشبه العصابات الدولية.
حظر تجوّل غير معلن
كما تفيد المصادر الميدانية بأن الأوضاع في مخيم شاتيلا قد خرجت عن السيطرة منذ اندلاع الاشتباكات المسلحة، حيث انتشر مسلّحون من تجّار المخدرات في بعض الأزقة وهم يحملون أسلحة رشاشة، مطلقين النار بين المنازل لتصفية حساباتهم. وقد أثار هذا المشهد حالة من الذعر بين الأهالي، وفرض نوعاً من حظر التجوّل غير المعلن، خوفاً من الرصاص الطائش. فقد أُقفلت بعض المحال التجارية خشية الاستهداف العشوائي وتحدث شهود عن حالات نزوح جزئي داخل المخيم نفسه.
أضافت المصادر: "وما يزيد من خطورة الوضع أن هذه الاشتباكات تُستخدم فيها الأسلحة الفلسطينية نفسها، التي يُفترض أن تُوظَّف في الدفاع عن القضية، لا أن تتحول إلى وسيلة لتهديد أمن المخيم وأهله". وفي ظل هذا الاستخدام المنحرف، تتراجع صورة السلاح كرمز للنضال، وتتحوّل إلى أداة للفوضى والموت المجاني.
نزع السلاح العشوائي ضرورة عاجلة
تشير مصادر لبنانية لـ "نداء الوطن" أنه وعلى الرغم من اتساع رقعة العنف في المخيم، لم تُبدِ الدولة اللبنانية أي مؤشرات على نية جادة للتدخل. فكل ما يجري يُعامل كـ "شأن فلسطيني داخلي"، من دون وجود خطط أمنية واضحة أو تدخّل فعّال من القوى الأمنية اللبنانية.
نشطاء وأهالٍ من المخيم بدأوا يرفعون الصوت، مطالبين بإعادة طرح مسألة السلاح العشوائي. فقد كان يُرفض نزع السلاح سابقاً بحجة حماية الكرامة الوطنية، لكن هل من الكرامة أن يُستخدم هذا السلاح في خدمة تجّار المخدرات؟
إن نزع السلاح العشوائي لا يعني انتزاع الكرامة، بل هو استعادة للحياة والأمن، والقدرة على التنفس بحرية في بيئة باتت تختنق. كما أن استعادة النظام ليست انتقاصاً من حقوق أحد، بل ضرورة لردّ الاعتبار إلى المخيم كرمز للجوء والكرامة، لا كمنطقة خارجة عن القانون.
بين رصاص متبادل، وأطفال يختبئون خلف الجدران، وشباب يغرقون في تجارة السموم، يتآكل ما تبقّى من روح المخيم. وإن لم تُتّخذ خطوة حاسمة تبدأ بخطة أمنية وسياسية متكاملة، تُنهي فوضى السلاح وتعيد الاعتبار لكرامة العيش، سيبقى "مخيم شاتيلا" ساحة مفتوحة للدم... لا للاجئين، بل للمنسيين.