اليوم عيد مولد رئتيّ الحادي والثلاثين. وعيد مولد قلبي أيضاً. وعيد مولد جسدي وحاسة الشم التي أعتمد عليها كثيراً في رصد الأحداث وتعقّب آثار العطور. أنا، ومن هم مثلي، أو مثلهم أنا، نحتفل اليوم السبت 31 أيار بالتخلّص من العبودية، عبودية لمن نواعدها 20 أو 30 أو 40 مرة في اليوم الواحد: السيجارة. اليوم يومنا الرائع خصصته لنا منظمة الصحة العالمية، بدءاً من العام 1987 لنتذكر كيف كنا، نحن المدخنين، وكيف صرنا رسلاً، كلما لمحنا مدخناً شرهاً، نفقعه محاضرة عن مضار التدخين والجسم السليم، وعن سليم الما بياكل إلّا «بيو» من إيام «بيّو» و»جدّو».
كنا نتنشق الياسمين والفل وزهر الليمون وروائح جلدنا وثيابنا مضمّخة بالقطران والأمونيا والنيكوتين المحترق والهيدروكربونات، نكتب وندخن. ندخّن ونكتب. إنها علاقة شاذة بين سيكارة وشفتين.
على مشارف السنين الجديدة، يضع المدمنون على السجائر التوقف عن التدخين كقرار أول ضمن New Year›s resolutions إلى جانب البدء بحمية غذائية للتخلّص من الوزن الزائد. الرياضة والريجيم متلازمان. التوفير قرار رابع . تقسيط شقة قرار خامس. الزواج قرار سادس...وغالباً تتجدد القرارات سنوياً ولا تُطبق كما هي حال الـ 1701. يقنع المدخن نفسه أن فنجان قهوة يستدعي السيجارة، والرشفة تستدعي المجّة. والكأس ينادي السيجار فيما تبدو الأراكيل عصية على أي قرار، فدخانها يحاكي أحلام أجيال كبرت على المعسّل والأصفهاني وعلى ما يشبه التسطيل. ومن بديهيات الأمور أن أي قرار ريجيم يسقط صريعاً أمام شلال شوكولا متدفق. إدمان الشوكولا قاتل. يقتل البرودة يحيي حباً قديماً وهو رميم. قبلة بطعم الشوكولا تصنع العجائب.
التدخين إدمان راعب يؤدي إلى أمراضٍ مميتة كما تذكر وزارة الصحة في ملصقاتها على علب الدخان والتنباك ومشتقاتهما، وتفيد إحصائيات يمكن الركون إلى صدقيتها أن 11،5 % من إجمالي حالات الوفاة في لبنان مرتبطة بالتدخين، أي ما يقارب 5700 كائن بشري سنوياً يموتون مشبعين بالنيكوتين. رقم متواضع أمام عدد قتلى زلزال شنشي الذي تخطى الـ 830 ألف صيني في يوم واحد ( 23 كانون الثاني سنة 1556) وأكثريتهم من غير المدخنين.
في هذا اليوم المبارك نحتفل بحواسنا المتجددة التي شوهها التدخين وأضعف فعاليتها ونتوقف أمام إدمان أشد فتكاً من التدخين وتعاطي المخدرات وحبوب الهلوسة ومعاقرة الخمرة بدوام كامل. هذا الإدمان الراقي يمكنه أن يقتل الإنسان بمعدل مرة كل عشرة أيام.