مروان الشدياق

"حزب الله" يذبح العيش المشترك في رياق - حوش حالا

منذ سنوات طويلة، شكّلت بلدة رياق-حوش حالا نموذجاً للعيش المشترك في البقاع. هذا النموذج لم يكن فقط تقليداً، بل أسلوب حياة ونمط وجود، عبّرت عنه العلاقات اليومية والتعاون الاجتماعي والبلديّ، ووُثّق عرفاً ثابتاً في كل الاستحقاقات الانتخابية المحلّية، فجاء تمثيل المجلس البلديّ متوازناً: 10 أعضاء مسيحيين مقابل 8 من الطائفة الشيعية، مع رئاسة للبلدية لمسيحي من حوش حالا، ونائب رئيس مسيحي من رياق، وتمثيل باتحاد البلديات للطائفة الشيعية.


هذا العرف الذي لم يُكتب يوماً، لم يكن بحاجة إلى توقيع أو دستور، بل كان دستوراً أخلاقياً ووطنياً توافقت عليه العائلات، واعتبرته ضمانة للعيش الواحد، لا العيش المشترك فحسب.


لكن يبدو أنّ "حزب اللّه" قرّر تمزيق هذا الدستور غير المكتوب، كما اعتاد أن يفعل بكل ما لا يناسب مخططاته وأجنداته. فقد تدخّل بشكل مباشر في الانتخابات البلدية الأخيرة، وسعى للانقلاب على الأعراف والتوازن التاريخي، وفرض تركيبة بلدية أحادية، أخرج فيها المسيحيين من المشهد التمثيلي، رغم أنهم يشكّلون نحو 60 % من سكان البلدة بحسب لوائح الشطب، مقابل 40 % للشيعة.



انقلاب على التوازن التاريخي

ما جرى هو انقلاب مكتمل الأركان: فقد انسحب "الحزب" من كل مساعي التوافق التي بادر إليها أبناء البلدة وعلى رأسهم القاضي فادي العنيسي، الذي شكّل لائحة جامعة من مختلف مكوّنات البلدة، لكنّ ضغوطاً مباشرة من قيادات "الحزب" وكسر التوافق الموجود أدّت لانسحاب العنيسي في اللحظات الأخيرة، ثم انسحاب المرشحين المسيحيين تباعاً، تحت وطأة التهديد أو الإحباط، فخلت الساحة للائحة شيعية كاملة من 12 عضواً من أصل 18، فازت بالتزكية وانتخبت رئيساً ونائب رئيس من الطائفة الشيعية، في سابقة لم تعرفها البلدة في تاريخها الحديث.


جورج عقيص: "حزب اللّه" ارتكب خطأً استراتيجياً

النائب جورج عقيص عبّر في تصريحاته لـ "نداء الوطن" عن رفضه القاطع للمهزلة الديمقراطية والانقلاب على الأعراف، فقال: "ما فعله "حزب اللّه" في بلدة رياق-حوش حالا خطأ استراتيجي بلحظة مكابرة ألحق ضرراً كبيراً بصورته، وهذا يؤكّد أنه لا يمكن أن نضع يدنا بيده، ومنطقه إقصائي ويضرب عرض الحائط بالنسيج الاجتماعي والأعراف المتعارف عليها ليحقق انتصاراً ".


وأكد عقيص أنه لم يتدخل في العملية الانتخابية أو التسميات "إلّا حين تمّ الانقلاب على العرف، عندها اجتمع مع الأهالي وسار بمقترحهم، وهذا ما حصل". وأوضح أن "العائلات الشيعية العريقة بالبلدة تجاوبت ووجدت أنّ ما يحصل غير جائز، فاستقال أعضاؤها، وهو يعوّل على موقفهم الذي لم يأتِ إلّا عن إرادة حقيقية لحماية مصلحة البلدة".


وشدّد عقيص على أنّه "تمّ تقديم طعن أمام مجلس شورى الدولة، وإذا لم يُنصف مسيحيو رياق وحوش حالا في تمثيلهم البلدي وإعادة الانتخاب، فسيتم اتخاذ الخطوات التصعيدية اللازمة".



واقع خطير: تزكية بالإكراه وفتنة نائمة

بحسب مصادر "نداء الوطن"، أبناء البلدة من مسيحيين وشيعة، غير راضين عن الواقع القائم، والأعضاء الشيعة الـ12 الذين فازوا بالتزكية بقوا مرشحين فقط تحت الضغط المباشر من منسق "حزب اللّه" السابق في المنطقة علي حمية. هذه التزكية ليست انتصاراً ديمقراطياً، بل نتيجة قسرية لسياسة إقصائية تمارسها قيادة "الحزب" على أهلها قبل غيرهم، وهي انقلاب على التوازن الطائفي والتمثيلي، وتمهيد لفتنة لا تريدها رياق-حوش حالا ولا أهلها.



فساد وتجاوزات قانونية بالجملة

ولم تكتفِ "الهيمنة الحزبية" بهذا الانقلاب، بل ورثت مجلساً بلدياً سابقاً غارقاً في الفساد، عليه ديون بقيمة 400 ألف دولار لصالح مؤسسة كهرباء زحلة بسبب السرقة والتعدي غير الشرعي على التيار الكهربائي، ما أجبر المجلس السابق على إطفاء الكهرباء ليلاً هرباً من الملاحقة والمحاسبة.


اليوم، لا إجابة واضحة: هل يملك "الحزب" القدرة على تحمّل هذه الأعباء المالية؟ وهل يستمرّ بسياسة الكيدية حتى على حساب مصلحة البلدة وأهلها؟


والمفارقة أن رئيس البلدية الحالي مصاب بمرض عضال وبحسب ما علمت "نداء الوطن"، فقد قرّر المجلس البلدي ضمنياً أن يتمّ التناوب على رئاسة البلدية كل سنتين بدلاً من ثلاث كما ينصّ عليه القانون، في مخالفة قانونية صارخة تضاف إلى سجلّ التجاوزات.



السيناريو نفسه في كفرحونة!

ما حصل في رياق - حوش حالا ليس معزولاً. فقد نفّذ "حزب اللّه" السيناريو نفسه في بلدة كفرحونة الجزينية، حيث أقصى الشركاء، وألغى التوازن، وفرض واقعاً شاذاً لا يشبه تاريخ البلدة ولا أهلها.


فهل ننتظر تعميم هذا النموذج القائم على الإقصاء والقهر السياسي والطائفي؟ أم أن الساعة قد حانت لدقّ ناقوس الخطر المسيحي والتحرّك السلمي، المدني، القانوني، والميداني، دفاعاً عمّا تبقّى من العيش المشترك؟


إنّ ما فعله "حزب اللّه" في رياق - حوش حالا ليس مجرّد انتصار بلدي صغير. إنه اختبار خطير للنيّة الحقيقية التي يحملها تجاه الشراكة الوطنية. وإذا لم تُردّ الأمور إلى نصابها، فإنّ ما يُذبح في رياق - حوش حالا، ليس فقط العرف ولا المسيحيون، بل لبنان الذي نعرفه!