نوال نصر

ناجحون رسبوا وراسبون نجحوا والتحقيق مطلوب

مجزرة "الطب" التربوية تُلاقي مصير مجزرة بيروت الدموية!

29 تشرين الأول 2020

02 : 00

وبكل فخر
وكأنه كُتب على لبنان أن يعيش المجازر على أنواعها، من أمنية الى تربوية الى إجتماعية الى إقتصادية، ويبقى يُردد من فيه مع "جوقة المرددين": فليُحقق في الموضوع! فهل نُطالب بفتح تحقيق حول ما حصل في مباريات الدخول الى الكليات الطبية في الجامعة اللبنانية من "مجزرة تربوية" أم نضع الملف جانباً ونقول: حصل ذلك سهواً؟ وهل السهو أقل إرتكاباً جرمياً من القصد؟ ألم يضع البعض ما حصل في 4 آب في إطار السهو والإهمال؟





يتناقل أساتذة الجامعة اللبنانية ما حصل في مباريات الدخول الى الكليات الطبية بكثير من الذهول. فكل شيء كان متوقعاً في معلم تربوي يطغى عليه كثير من الفساد والمحسوبيات، لكن أن يرسب طلاب بسبب إجابات خاطئة لُقّم بها الحاسوب فهذا أمرٌ أثار الإستغراب والأعصاب. يمكن القول: أخطأ الحاسوب وصححنا الأمر ولكن، لا، لم يُخطئ الحاسوب بل أخطأ من أعطاه إجابات خاطئة ما كاد يُبدّل كثيراً من تفاصيل هذه الكليات الطبية. دعونا لا نتكلم طائفياً ولا نتطرق الى ما تسبب به الخطأ من رسوب المسيحيين الذين تقدموا للإمتحان باللغة الفرنسية ونجاح الشيعة الذين تقدموا للإمتحانات باللغة الإنكليزية. ودعونا لا نتكلم عن الصدفة التي تزامنت مع ما حدث وقضت بتكليف رئيس الجامعة اللبنانية البروفسور فؤاد أيوب الدكتور يوسف فارس، وهو ينتمي الى الطائفة الشيعية الكريمة، بمهام عمادة كلية العلوم الطبية الى حين تعيين عميد أصيل وفق الأصول مكان عميد الكلية بطرس يارد (وهو ينتمي الى الطائفة المسيحية) الذي تقاعد في 21 تشرين الأول هذا. دعونا نترك الطائفية والمذهبية جانباً ونُبحر أكثر في ما حصل وشكّل صدمة أكبر لكثيرين.

الدكتور عصام خليفة راح يُطالب وبإلحاح، في اليومين الماضيين، بإلغاء نتائج الإمتحانات وإقالة رئيس الجامعة فؤاد أيوب وتعيين مجلس جديد، لكن، ما دامت الإقالات لم تحصل في مجزرة أول ايام آب 2020 الدموية فماذا يُقنعنا أنها قد تحصل في مجزرة آخر أوراق تشرين 2020 التربوية؟



الطلاب في المجهول



الأستاذة في كلية العلوم الدكتورة وفاء نون لها باع طويل في التعامل مع قضايا الجامعة اللبنانية والإنتفاضة على كل السواد الذي يحوط بهذا الصرح. تنطلق نون في كلامها بالإشارة الى جملة مغالطات أحاطت الموضوع، أولاها الإنطلاق من البعد الطائفي في قضية تربوية، مستطردة بالقول: "الفساد لا لون له ولا دين ولا ربّ".

فلندخل معها في البعد التربوي. وفي التفاصيل "أن إمتحانات الدخول تجرى في كليات الطب من أجل اختيار عدد محدد من الطلاب، من بين آلاف يتقدمون للدخول الى الكليات الطبية، وعادة، نضع نحن الأساتذة الأسئلة في مكان مغلق، على أن نترك هواتفنا خارجاً، ولا نغادر المكان إلا بعد دخول الطلاب الى صفوفهم وانطلاق المباريات. تجرى امتحانات العلوم وفق نظام PCI لكنها أول مرة تُجرى فيها امتحانات الرياضيات وفق هذا البرنامج. وفيه يضع الطلاب علامة على الإجابة الصحيحة، بمعنى أن يجيبوا على السؤال بوضع علامة على خانة "أ" أو "ب" أو "ج". و"السيستام" الذي يملك الإجابات التي يفترض أن تكون صحيحة هو الذي يحدد النتائج. لكن، ما حصل، أن من تعاملوا مع الحاسوب أدخلوا إجابات القسم الإنكليزي على إجابات القسم الفرنسي فحصل خطأ عند إصدار النتائج، فمن أجاب في شكل صحيح اعتبره الحاسوب مخطئاً والعكس صحيح".


العميد يوسف فارس



هل تتخيلون أن طلاباً ذرفوا الدموع لرسوبهم عادوا ونجحوا وأن طلاباً ذرفوا الدموع فرحاً لنجاحهم عادوا ورسبوا؟! ثمة أمور لا تحصل إلا هنا!

والعمل؟

ثمة خطأ هائل قد حصل، لا يختلف اثنان عليه. لكن، لماذا حصل هذا الخطأ؟ يحقّ للأساتذة والطلاب والأهالي الحصول على إجابة واضحة. تقول الدكتورة نون: "إن كلية الطب فرنكوفونية واستحدثت الإدارة 20 مقعداً لطلاب الصيدلة قسم إنكليزي". وتستطرد "الخطأ قد يحصل لكن السؤال لماذا حصل، خصوصاً أن حصوله كبدنا غالياً على صعيد المصداقية التي يتحلى بها التعليم في الجامعة اللبنانية لذا يحق لكلِ واحد أن يُشكك بما حصل. في كل حال، إذا أردنا أن نتعامل منطقياً، علينا أن نقول أن الخطأ قد حصل وليس أمامنا إلا أن نقول مبروك للطلاب الناجحين جميعاً. أما التشكيك بشأن طائفية ما حدث فيحتاج الى إثبات. لذا لا يمكنني أن أدرج الموضوع أقله حالياً إلا في خانة الخطأ الكبير، على أن ندقق لاحقاً في الأسماء وانتماء اصحابها وما إذا كانوا حزبيين أم لا".


البروفسور فؤاد أيوب



الدكتورة نون تنتمي الى الطائفة الشيعية لكن من يعرفها يعرف أنها تقاتل، منذ زمن، ضد أخطاء كثيرة نُفذت باسم الحركة (أمل) وسواها لكنها لا تملك إثباتاً يؤكد لها، حتى اللحظة، أن الحركة قامت بهذا الخطأ عن قصد. والبارحة، بعد أن حصل ما حصل، لم تنم طوال الليل وظلت تُفكر مرددة "ضربوا المصداقية". لكن، لمصلحة من حصل ذلك؟ تجيب "حصل ما حصل في وقت يكثر فيه الكلام عن خصخصة القطاع العام، وربما حصل ذلك لمصلحة الجامعات الخاصة، وكلنا يعلم أن أمل و"حزب الله" طالما مولوا أقساط الجامعات الخاصة... ثمة من يُضمر شراً بكل ما هو ناجح. ونحن نتغاوى بالتعليم اللبناني الجامعي الرسمي. صحيح أن الجامعة اللبنانية تضم فساداً كثيراً وسرقات ومحسوبيات ووساطات على الصعيد الإداري لكن لا يمكن التشكيك فيها أبداً على المستوى العلمي".

المطلوب التحقيق بما حصل. طلبٌ قد يضحك لسماعه البعض لكن أساتذة الجامعة اللبنانية يطالبون به. فهل نُصدق أن "الدولة" قد تقوم بتحقيقٍ يفضي الى حقيقة؟ تجيب نون: "ليس أمامنا إلا أن نطالب بالتحقيق كي نعرف من أدخل الأسئلة والأجوبة؟ وكي نتأكد من أبعاد ما حصل: هل هو مجرد خطأ ناتج عن إهمال أم هو خطأ مقصود لمصلحة ما؟ ولمصلحة من؟



هنا الأمر والنهي



مراقبٌ للعمل التربوي الجامعي من زمان يقرأ هو أيضاً بأبعاد ما حصل ولديه، كما سواه، مخاوف عدة ويقول "هناك بين 180 طالباً نجحوا 50 طالباً كان يفترض أن يكونوا راسبين لو لم يحصل الخطأ، وهؤلاء سيُصبحون بعد سبعة أعوام أطباء مسؤولين عن صحتنا. وهذا، إذا ثبُت أنه تأتى عن إهمال فقط، فهو إهمال كبير يفترض أن تكون عقوبته إقالة رئيس الجامعة". يضيف "لو مرّ "الخطأ" مرور الكرام، كما مسائل كثيرة تحدث، لتسبب بهدم مستقبل شباب وشابات يستحقون النجاح ولتسبب أيضاً بعدم توازن وجعل الجامعة "شيعية". ويُنهي بالقول "هذا ليس خطأ حاسوب تقنياً بل خطأ إنسان تعامل مع الحاسوب باستنسابية. ثمة من أعطى الحاسوب معلومات خاطئة. ومعلوم أن الأسئلة والأجوبة تمرّ للتدقيق في مراحل عدة قبل أن تصل الى العميد ويوقّع عليها. وهو، حين تمت مراجعته بأن النتائج تشير الى شيء غير واضح، الى خطأ ما، والى أن نسبة الرسوب في القسم الفرنسي "غريبة" أجاب: "بلى، ممكن أن تأتي هذه النتيجة ولا شيء يدعو للإستغراب".

نعود الى الدكتورة نون لنسألها: هل تطالب بإقالة رئيس الجامعة مثلاً؟ تجيب "أحاول ألا "أشخصن" الخلافات مع أحد، فالأخطاء كثيرة، من فؤاد أيوب الى عدنان السيد حسين الى آخرين، وهي ستبقى طالما المنظومة قائمة والتوظيف السياسي هو السيد. نحتاج الى مجلس للجامعة. ونحتاج الى أشخاص يغلبون عملهم في الجامعة على انتماءاتهم الطائفية والحزبية. نحتاج الى من يأخذون القرارات الصحيحة في الجامعة ويفرضونها على أحزابهم وطوائفهم".



العميد السابق بطرس يارد


لا يزال الهريان يستشري في كل بنيان الدولة اللبنانية. ثمة إصرار من كثيرين على متابعة ما بدأوه من زمان وزمان غير آبهين بكل الأصوات التي طالبت بدولةٍ ومؤسسات وبرامج تؤسس للبنان مختلف. الخطأ جائز؟ طبعاً، لكن حين تكثر الأخطاء وتسبقها قرارات تشي بنوايا يحوكها أشخاص باسم "مذاهب" تجعل الناظر يشك. وكل هذا يحدث تحت بصر "شباب الحركة" الذين يتصرفون وكأنهم "أهل البيت" في الحرم الجامعي!

في كل حال، غبطة البطريرك بشارة الراعي كان قد طلب من فؤاد أيوب قبل يومين من جريمة بيروت في 4 آب تعيين عمداء أصيلين. وهذا لم يحصل طبعاً. فهل التطورات لم تساعد؟ ربما لكن الثابت أن لا إرادة إلا "بالحكي" لإنجاز المفروض، خصوصاً أنهم يأتون "بالوكلاء"، بدل الأصيلين، على قياسهم.

هل ننتظر التحقيق في الحادث؟ نضحك أو نبكي؟ قد "يلملمون" القضية بالقول إن "فلاناً" قد أخطأ في حين أن الخطأ يفترض أن يُلقى على من هم في السدة لا على المسكين "فلان"!


MISS 3