عيسى يحيى

بهاء الحريري في لبنان أواخر الشهر؟ مبادرة لكسر الجمود وسدّ الفراغ

بين الاستحقاقات الوطنية والحاجة إلى لمّ الشمل السني في ظل فراغٍ لا يملؤه الوقت بل القيادة والرؤية، يبقى التشتّت والقلق اللذان تعيشهما الطائفة السنية حالةً تستدعي مبادرات جدّية ووطنيّة، تحاكي تطلّعات الجمهور، وتمنع السقوط في المزيد من التهميش، وتبرُز معها مرجعيّة وطنيّة تقي الطائفة من التشتّت والتوظيف السياسي.


لا تخفى على أحد مفاعيل غياب "تيار المستقبل" عن الساحة السنية، والحياة السياسيّة في لبنان، والذي شكّل لعقود مرجعيّة سياسيّة واجتماعيّة جامعة لأبناء الطائفة، وكان له الدور البارز في إدارة التوازنات الوطنية. ومع انكفائه قبل سنوات عن العمل السياسيّ، وبروز شخصيات على الساحة وصل بعضها إلى الندوة البرلمانية، إضافة إلى استثمار بعض الأحزاب ضمن البيئة السنية، واللعب على الفراغ القاتل، والهوّة التي بدأت تتّسع كلما طال أمد الغياب، وعدم خوض الانتخابات النيابية عام 2022، وتراجع الحضور وصولاً إلى خروجه من الانتخابات البلدية، باتت الطائفة السنية بلا مظلّة سياسيّة موحّدة، في ظلّ تشتّت القيادات وافتقادها لأيّ مشروع جامع.


وفيما تتحضّر القوى السياسية للانتخابات النيابية العام المقبل، بعد انتهائها من خوض غمار الاستحقاق البلدي، الذي شكّل بروفا تمهيدية لكشف التحالفات والأحجام، يعود اسم بهاء الحريري إلى الواجهة السياسيّة مجدّداً، ووفق معلومات حصلت عليها "نداء الوطن"، يبحث الحريري جدياً احتمال أن يحطّ رحاله في بيروت أواخر الشهر الجاري، استكمالاً للمشروع الذي عمل عليه طوال المرحلة الماضية. وتأتي مبادرة الحريري "الوطنية الشاملة" لسدّ الفراغ السني في المشهد السياسي، وتحضيراً لخوض الانتخابات النيابية في عدد من المحافظات اللبنانية، بالتنسيق مع شخصيات سياسية وازنة من مختلف الطوائف، وعبر تأليف لوائح مكتملة.


يسعى بهاء الحريري وفق معلومات "نداء الوطن" إلى إحياء مبادرة تهدف إلى لمّ الشمل وجمع الصفّ وتوحيد الكلمة، لا عبر تشكيل حزب تقليدي أو خوض منافسة حزبية ضيّقة، بل عبر مشروع وطني شامل يعيد للطائفة دورها الطبيعي، وانطلاقاً من التوازن الوطني لا من منطق الغلبة أو الخصومة مع أي طرف. وبحسب أوساط مقرّبة منه فإنّ العودة غير مرتبطة بحسابات عائلية أو مزايدات طائفية وحزبية، بل تبنى على قراءة عميقة للتحوّلات في الشارع اللبناني بعد أحداث المنطقة، وتراجع شعور "التمثيل الحقيقي"، إضافة إلى ضرورة التأسيس لخطاب سني وطني هادئ ومسؤول.


بدورها، ترى مصادر متابعة أن غياب أيّ إشارات لعودة الرئيس سعد الحريري في المدى المنظور، وعدم استعداد قيادات تقليدية لتحمّل مسؤولية القيادة، يجعلان من الضروري إعطاء أيّ مبادرة جدية فرصة حقيقية، خاصة تلك التي تستند إلى إمكانيات مالية وشعبية وتنظيمية، تضع هموم الناس ومصالحهم في المقدّمة، وتواكب التحدّيات الاقتصادية والاجتماعية التي ترهق البيئة المهمّشة.


ولأنّ الطائفة السنية تعيش واحدة من أدقّ مراحلها في لبنان والجوار، وسط غياب القيادة الجامعة، فإنّ الحاجة إلى شدّ الأزر باتت أكثر من ضرورة، وإلى مشروع سنّي يعيد الحضور الفاعل للسنة في الدولة، ويؤسّس لدور وطني، يواكب رئاسة الحكومة وما يقوم به الرئيس سلام، بعيداً من العصبيات والمصالح الضيّقة التي أضعفت الموقف السني عامةً.


فهل تنجح هذه المبادرة في فتح ثغرة في جدار الأزمة؟ وهل يمنح أبناء الطائفة الفرصة لقيادة جديدة قد تعيد لهم بعضاً من حضورهم؟ أسئلة مشروعة، ولكنّ الأكيد أنّ الفراغ لا يملأ بالتمنّيات، بل بالمبادرة والرؤية والعمل، وهي معايير إن توفّرت في بهاء الحريري، فقد يجد لنفسه مكاناً في المشهد المقبل، شرط ألّا تكون عودته كسابقاتها.