شربل صفير

"صِدام عقول" بين إسرائيل وإيران... من ينتصر؟

ليست الحرب بين إسرائيل وإيران مجرّد صراع إقليمي تقليدي

لم تعد المعارك العسكرية بين الدول تقتصر على إطلاق النار أو اجتياح الحدود، بل انتقلت إلى فضاءات رقمية وجوية حيث تدار الحرب عبر الخوارزميات، والطائرات المسيّرة، والفيروسات السيبرانية. يتصدّر الصراع بين إيران وإسرائيل مشهد المواجهات المستقبلية، حيث تلعب التكنولوجيا دورًا محوريًا لا في الحسم الميداني فحسب، بل في رسم موازين القوى بالشرق الأوسط.


في خضم هذا الصراع التكنولوجي المتسارع، يعتمد كل من إيران وإسرائيل على ترسانات متطورة من الأسلحة الذكية والمعدات العسكرية التي تدمج بين القوة النارية والدقة التكنولوجية العالية، ما يعكس تطور استراتيجيات القتال المعاصر.


الأسلحة والمعدّات الإسرائيلية

الطائرات المقاتلة الشبحية، مثل F-35 Adir، مزوّدة بأنظمة استشعار وذكاء اصطناعي، قادرة على تنفيذ ضربات دقيقة وتفادي الرصد.


الطائرات المسيّرة المسلّحة، مثل Hermes 900 وHeron TP، القادرة على التخفي والتدمير من دون تدخل بشري مباشر.


أنظمة الحرب الإلكترونية للتشويش واختراق الأنظمة الإيرانية، تشمل قدرات تعطيل الأقمار الاصطناعية والاتصالات.


أنظمة دفاعية ذكية، مثل "القبة الحديدية"، "مقلاع داوود" ونظام "آرو"، قادرة على التنبؤ بمسار الصواريخ من مختلف المديات واعتراضها باستخدام برمجيات تنبؤية فورية.


أسلحة ليزر تجريبية تطورها إسرائيل لخلق درع تكنولوجي منخفض الكلفة عالي الكفاءة ضدّ التهديدات الجوية.


الأسلحة والمعدّات الإيرانية

صواريخ باليستية بمديات مختلفة، مثل "شهاب" و"سجيل" و"خرمشهر"، بعضها مزوّد بتقنيات توجيه دقيقة يصل مداها إلى أكثر من 2000 كيلومتر، فضلاً عن صواريخ "كروز" منخفضة الارتفاع مثل "سومار" و"يا علي".


الطائرات المسيّرة الهجومية مثل "شاهد 136"، "مهاجر" و"أبابيل"، المستخدمة للاستطلاع أو الهجمات الدقيقة أو الانتحارية.


زوارق هجومية وطائرات مائية مسيّرة، تهدّد الملاحة البحرية وتخلق بيئة اشتباك معقدة في مياه الخليج.


منظومات الحرب السيبرانية التي يمكن أن تكون قادرة على اختراق البنى التحتية الحيوية لإسرائيل.


الطائرات المسيّرة والحرب السيبرانية

تؤدّي الطائرات المسيّرة دورًا مهمًّا في هذه الحرب، باعتبارها الوسيلة المثالية لتنفيذ ضربات دقيقة من دون مخاطرة بشرية مباشرة.


إسرائيل طورت طائرات مزوّدة بأنظمة تصوير حراري، وقدرات هجومية ذاتية يتمّ التحكم فيها عبر الذكاء الاصطناعي، ما يتيح لها الوصول إلى عمق إيران وضرب منشآت عسكرية أو نووية.


إيران بدورها استثمرت بكثافة في تصنيع مسيّراتها، التي تتسم بالبساطة والكلفة المنخفضة، ما يمنحها ميزة في الإغراق الكمي والضربات المفاجئة. وقد تم استخدامها فعليًا ضدّ أهداف إسرائيلية، مباشرة أو عبر وكلاء إقليميين مثل "حزب الله".


كذلك، تتسابق إيران وإسرائيل في مجال الهجمات الإلكترونية كجبهة غير مرئية للصراع. إسرائيل تعتمد على وحدات، مثل 8200، التي نجحت في تدمير مئات أجهزة الطرد المركزي عبر فيروس "ستاكسنت"، واستهدفت أنظمة الاتصالات والطاقة الإيرانية. أمّا إيران، فأنشأت جيوشًا إلكترونية تابعة لـ "الحرس الثوري"، تنفّذ هجمات على البنية التحتية المدنية والعسكرية الإسرائيلية. تهدف هذه العمليات إلى التشويش والتخريب.


الذكاء الاصطناعي و"النووي الإيراني"

إلى جانب قدراته الهجومية، أصبح الذكاء الاصطناعي أداة فعالة في حروب المعلومات والتضليل. كلّ من إيران وإسرائيل يستخدم تقنيات التزييف العميق، ونماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي لإنتاج فيديوات مضلّلة، واختراقات رقمية موجّهة، وحملات دعائية لتشويه صورة الطرف الآخر أو كسب الدعم الدولي. هذا النوع من الحرب النفسية الرقمية يستهدف التأثير العميق في وعي الجمهور، وزرع الفوضى، وبث الشكوك في المؤسّسات السياسية والعسكرية.


من جهة أخرى، يمثل البرنامج النووي الإيراني ذروة التوتر في هذا الصراع. فإيران تمتلك قدرات تخصيب متقدّمة، وأجهزة طرد مركزي متطوّرة، ما يضعها على عتبة امتلاك سلاح نووي، رغم نفيها ذلك. إسرائيل، التي ترى في هذا البرنامج تهديدًا وجوديًا، تشن هجمات وضربات سيبرانية وجوية لعرقلة التقدّم النووي.


تقارير استخباراتية تشير إلى أن إسرائيل أنشأت "ممرّات جوّية رقمية" توجّه من خلالها طائراتها المسيّرة نحو أهداف داخل إيران، باستخدام أنظمة ملاحة ذكية ومستويات تخفٍ معقدة، ما يرفع من خطورة السيناريو المقبل.


مفاتيح النصر أو الهلاك

في ظلّ هذا التصعيد، تبقى المنطقة على شفا كارثة لا تُقاس بقنابل مادية فقط، بل بكوارث رقمية قد تشلّ دولًا بأكملها. هجوم سيبراني على شبكة كهرباء واحدة قد يسبّب انقطاعًا تامًا في المشافي والمياه والبنوك، ما يخلق فوضى إنسانية غير قابلة للسيطرة. كما أن تطوّر الأسلحة الذاتية التشغيل، قد يؤدّي إلى قرارات قتل آلي من دون تحكّم بشري، وهو تهديد مرعب يلوح في الأفق.


ليست الحرب بين إيران وإسرائيل مجرّد صراع إقليمي تقليدي، بل هي اختبار لمدى قدرة البشرية على التحكّم في أدواتها التكنولوجية قبل أن تنقلب ضدّها. الذكاء الاصطناعي، المسيّرات والهجمات السيبرانية، تحوّلت إلى مفاتيح النصر أو الهلاك، في غياب قوانين دولية رادعة. الرهان الأكبر الآن ليس في من يملك القوة الأكبر، بل في من يستطيع استخدام هذه القوة بأقلّ كلفة وبأعلى وعي، قبل أن يقع الانفجار الكبير الذي لن يسلم منه أحد.