تعرّض وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران الذي أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليل الإثنين - الثلثاء إلى خروقات عديدة، لكنه صمد إثر تدخل ترامب العلني الحاسم لكبح جماح إسرائيل، التي اضطرّت إلى إلغاء سلسلة ضربات على أهداف إيرانية إثر طلب ترامب منها ذلك بلهجة حادة، مكتفية بقصف موقع رادار قرب طهران، حسب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أشار إلى أن قصف موقع الرادار جاء كردّ على إطلاق صواريخ إيرانية بعد ثلاث ساعات ونصف الساعة من الموعد المقرّر لبدء وقف النار، جازمًا بأن إسرائيل قرّرت عدم شن المزيد من الهجمات عقب اتصال هاتفي بين نتنياهو وترامب، في حين أكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أن طهران مستعدّة للحوار والدفاع عن حقوق شعبها على طاولة المفاوضات، متعهّدًا بأن تحترم بلاده وقف النار بشرط قيام إسرائيل بالمثل. وأعلن التلفزيون الإيراني تنظيم احتفال رسمي احتفاء بما وصفه بـ "النصر على إسرائيل"!
وأكد ترامب، الذي تعمّد إطلاق تسمية "حرب الأيام الـ 12" على الحرب الإسرائيلية - الإيرانية الأخيرة، أن "كلًا من إسرائيل وإيران أرادا إيقاف الحرب بنفس القدر، ولقد كان شرفًا عظيمًا لي أن أدمّر كافة المنشآت والقدرات النووية الإيرانية، ثمّ أوقف الحرب". وأوضح أنه لا يريد أن يرى النظام الإيراني يسقط، معتبرًا أن "تغيير النظام سيحدث فوضى، ولا نريد أن نرى كل تلك الفوضى". وشدّد على أنه "لن تملك إيران سلاحًا نوويًا، وأعتقد أنه آخر ما يُفكّرون فيه حاليًا". وكان لافتًا قول ترامب إن الصين يمكنها شراء النفط الإيراني، رغم أن إدارته فرضت العديد من العقوبات المصمّمة لعرقلة مثل هذا النوع من التجارة كجزء من حملة "الضغوط القصوى" الأوسع ضد طهران.
ويأتي ذلك بعدما شنت إسرائيل، قبل دخول وقف النار حيّز التنفيذ، هجومًا عنيفًا في قلب طهران، مستهدفة مواقع تابعة للنظام، ما أسفر عن مقتل المئات من أفراد "الباسيج" وقوات الأمن الإيرانية، وفق تقارير غربية. وخلال الساعات الـ 24 التي سبقت دخول وقف النار حيز التنفيذ، قتلت الضربات الإسرائيلية أعضاء في البرنامج النووي الإيراني وضباط استخبارات رفيعي المستوى، بمن فيهم نائب رئيس استخبارات الشرطة الإيرانية العميد علي رضا لطفي، حسب وسائل إعلام إيرانية.
وفي الساعات التي سبقت دخول وقف النار حيز التنفيذ، كشفت سلطة الطوارئ الإسرائيلية أن أربعة أشخاص قتلوا بصواريخ إيرانية أصابت مبنى سكني في بئر السبع في جنوب إسرائيل. وأدت الهجمات الصاروخية الإيرانية خلال الحرب إلى مقتل 28 شخصًا في إسرائيل، بينما أفادت الصحة الإيرانية بأن الهجمات الإسرائيلية منذ بداية الحرب أسفرت عن مقتل 606 أشخاص وإصابة 5332 آخرين، مشيرة إلى أن الهجمات الإسرائيلية خلال الساعات الـ 24 الأخيرة وحدها أسفرت عن مقتل 107 أشخاص.
وأكد نتنياهو أنه وافق على وقف النار بعدما حقق أهداف الحرب المتمثلة بإزالة التهديد النووي والصاروخي الإيراني، متوجّهًا بالشكر لأميركا وترامب. وتوعّد بأن إسرائيل ستردّ بقوة على أي انتهاك لوقف النار. ولاحقًا، اعتبر نتنياهو أن بلاده حققت "نصرًا تاريخيًّا" وأن "هجمتنا المفاجئة ستسجل في تاريخ الحروب"، مشيرًا إلى أنه "سبق أن وعدتكم بأن إيران لن تحصل على سلاح نووي وإذا حاولت إعادة بناء برنامجها النووي فسندمّره".ورأى أن مشاركة أميركا في الحرب "حدث تاريخي"، واعتبر أنه "تلقينا في 7 أكتوبر أسوأ كارثة في تاريخنا، لكننا رددنا الصاع صاعين"، موضحًا أنه "وصلنا إلى طهران ودمّرنا محور الشر الإيراني، وعلينا أن نكمل المهمة" بإعادة المخطوفين وتدمير "حماس". وأوضح رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير أن الجيش وصل إلى "نهاية فصل مهمّ، لكن الحملة على إيران لم تنتهِ بعد". وقرّر الجيش الإسرائيلي رفع القيود الطارئة التي أدّت إلى إغلاق المدارس وأماكن العمل. كما أعلنت هيئة الطيران المدني الإسرائيلية أن مطار بن غوريون قرب تل أبيب ومطار حيفا سيُعاد فتحهما بالكامل.
نوويًا، وإثر موافقة لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني الإثنين على الخطوط العريضة لمشروع قانون يهدف إلى تعليق تعاون طهران الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كشف المدير العام للوكالة رفاييل غروسي أنه راسل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي واقترح عقد اجتماع معه، وحضه على التعاون بعد إعلان وقف النار. وذكر أن استئناف إيران التعاون مع الوكالة قد يؤدّي إلى حلّ دبلوماسي للجدل الدائر منذ فترة طويلة حول برنامجها النووي، مشيرًا إلى أن مفتشي الوكالة لا يزالون في إيران و"مستعدّون لبدء العمل في أقرب وقت ممكن"، بما في ذلك التحقق من مخزون المواد النووية الإيرانية.
وتحدّث غروسي عن أن الوكالة رصدت أضرارًا جسيمة في عدة مواقع نووية إيرانية، حيث أشارت التقييمات إلى وجود "تسرّبات موضعية إشعاعية وكيماوية داخل المنشآت المتضرّرة التي تحتوي على مواد نووية، معظمها من اليورانيوم المخصّب بدرجات مختلفة"، لكن لم تظهر أي أدلّة على وجود مستويات إشعاع مرتفعة خارج المواقع. وذكر أن "الأهم من ذلك، من حيث السلامة النووية، أن مفاعلات الأبحاث والطاقة الإيرانية لم تكن أهدافًا للهجوم". بالتوازي، أفادت شبكة "سي أن أن" بأن تقييمًا أعدّته وكالة الاستخبارات الدفاعية، وهي الذراع الاستخباراتية للبنتاغون، يظهر أن الضربات الأميركية على ثلاث منشآت نووية إيرانية لم تدمّر المكونات الأساسية للبرنامج النووي الإيراني، وربّما أدّت فقط إلى تأخيره لعدّة أشهر. وكشف اثنان من المطّلعين على التقييم أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصّب لم يُدمّر، وأكد أحدهما أن أجهزة الطرد المركزي بقيت إلى حد كبير "سالمة". وفيما أقرّ البيت الأبيض بوجود هذا التقييم، إلّا أنه اعتبره "خاطئًا".
دبلوماسيًا، رحّبت روسيا بوقف النار بين إسرائيل وإيران، رافضة الانتقادات بأنها لم تفعل ما يكفي لدعم طهران، فيما أكدت الصين أنها تدعم التزام إيران بحماية سيادتها الوطنية وأمنها، آملة في تحقيق "وقف إطلاق نار حقيقي" على هذا الأساس. واعتبر الاتحاد الأوروبي أن وقف النار نبأ سار من شأنه أن يدفع كافة الأطراف إلى العودة لطاولة المفاوضات. وشارك ترامب رسالة خاصة من الأمين العام لحلف "الناتو" مارك روته عبّر فيها عن إشادته بترامب على "تحرّكه الحاسم في إيران"، واصفًا إياه بأنه "استثنائي".