خالد أبو شقرا

"اليوروبوندز" يكشف العورات

22 آب 2019

01 : 35

تراجع أسعار الـ"يوروبوندز" بحدود 19 في المئة على استحقاق العام 2021
تتساقط المؤشرات المالية السلبية على لبنان وكأنه مفلوش على كامل الكرة الأرضية، فمن زخّات التصنيفات الدولية، مروراً برذاذ العقوبات الأميركية، ووصولاً اليوم، إلى ارتفاع قمية العائد على الاستحقاق (yield to maturity) لسندات "اليوروبوندز"، بحدود 19 في المئة، على استحقاق العام 2021. وإن كان من معنى لما تقدّم فهو استحالة الإستمرار في السير بين نقاط الضغوط المالية التي يتعرض لها الإقتصاد، وثَبات فشل العلاج بمراهم القمم الرفيعة والبيانات الصحافية والتطمينات العلنية لمرض عضال يهدد بشلّ لبنان.

إصدار سندات دين بالعملة الأجنبية أو ما يعرف بـ "اليوروبوندز"، هو واحدة من السياسات الأساسية التي اتُبعت لجذب الدولار من أجل تمويل عجز الدولة والحفاظ على الإستقرار النقدي. وهي تُشبه وضع المتمول وديعة لفترة زمنية محددة مقابل عائد يسمى الفائدة. إلا أن الفرق هو أن هذه الوديعة تُحدد بأسهم، مقيمة بالدولار، يجري تداولها في الأسواق المالية العالمية، وتنتقل بسهولة من يد متمول إلى صندوق إستثماري وإلى مضارِب وغيره.. وهذا ما يشجع بالاضافة إلى فوائدها المرتفعة، على تملكها أو الإكتتاب بها. ومثلها مثل كل السلع أو المنتجات المالية، تخضع السندات لقاعدة العرض والطلب. ومن هنا فإن أي اهتزاز بثقة المستثمرين كما يحدث اليوم في لبنان بسبب الأزمات والتصنيفات والعقوبات، يعرّض هذه السلعة أو السند للبيع بكثرة، وبالتالي فإن تجاوز العرض الطلب يخفض أسعارها ويفقدها جاذبيتها. وهذا ما يدفع إلى رفع العوائد عليها.

الأسباب

يُرجع الباحث في جامعة هارفرد دان قزي، أسباب انخفاض أسعار "اليوروبوندز" إلى ثلاث نظريات: الأولى، هي قلق المستثمرين الأجانب والصناديق الإستثمارية من إنخفاض تصنيف لبنان السيادي، وتفضيلهم البقاء بعيداً من المخاطر. الأمر الذي يدفعهم إلى التخلص من هذه السندات بأسعار منخفضة. الثانية، قيام المصارف اللبنانية (الحامل الأكبر لليوروبوندز) بعمليات استدانة على السندات تعرف بـ ( Repurchase Agreement )، كأن تبيع على سبيل المثال كمية من السندات بسعر 100 دولار للسند الواحد، لمستثمرين أجانب، مقابل وعد بإعادة شرائها بسعر 101 بعد فترة محددة يتفق عليها بين الطرفين، وقد تكون أسبوعاً، أو شهراً أو حتى سنة، وذلك بهدف الحصول على الدولار. إلا أن تغير أسعار السندات يدفع الدائن إلى الاتصال بالمدين لطلب تعويض بالدولار عن كمية الإنخفاض في غضون فترة محددة، وان لم يلتزم المدين يعمد الدائن الى بيع السندات في الاسوق مقابل أي سعر يتمكن من تحصيله. الثالثة، تنازل المصارف عن السندات بأسعار أرخص نتيجة حاجتها الكبيرة إلى الدولار.

النتائج

ترتبط أسعار السندات بعلاقة عكسية مع معدل العائد، أي كلما انخفض السعر، يرتفع العائد، حيث يَنتظر حامل السند مردوداً مرتفعاً يغطي المخاطر. وهذا ما يدفع صغار المستثمرين إلى توظيف مبالغ صغيرة في شراء سندات توفر عائداً كبيراً قد تصل إلى 18 في المئة، وهنا مثلاً يحصل من يوظف 100 الف دولار في سندات الخزينة على عائد أكبر مما يحصّله من يودع مليون دولار في المصارف بالفائدة العادية، وهو ما يجبر المصارف على رفع الفوائد، ويحتم أيضاً رفع الفوائد على السندات الجديدة المنوي إصدارها.

السباق المحموم بين جذب الدولار بفوائد عالية من جهة، وضياعه من جهة ثانية بكميات أكبر نتيجة استمرار العجوزات الكبيرة في الخزينة وفي ميزان المدفوعات، يولد حرارة مرتفعة، ستتحول مع إطالة أمدها إلى نار تنتشر بيباس الإقتصاد اللبناني، وتدفع إلى تقويض كل القطاعات الإنتاجية وتقليص القدرة الشرائية، وضرب موازنات الأسر. من هنا فإن "كل عمليات السعي إلى تكبير حجم الإقتصاد، وما يعنيه من تخفيض معدل البطالة وإرتفاع في المداخيل، لا يعني سوى زيادة أكبر في الإنفاق على المستوردات. وبمعنى نقدي، خروج أكبر للدولار" يقول قزي.

فتحميل الإقتصاد أكلافاً هائلة لجذب الدولار من شباك الفوائد المرتفعة، يقابله خروج العملة الخضراء من باب تمويل عجز الخزينة، نتيجة تضخم حجم القطاع العام، وارتفاع معدلات الهدر والفساد. أما السياسة التقشفية التي تُتبع حالياً، والتي تتمثل في إجراءات تقليص الإقتصاد لمنع خروج الدولار، فهي ترتب الكثير من الاعباء على المواطن والإقتصاد.

سياستان أحلاهما مر، أما البديل بحسب الخبراء، فلا يكون إلا من خلال دعم القطاعات الإنتاجية، وتطوير الصناعة الوطنية التنافسية وتحفيز الصادرات، وعودة نمو الإستثمارات الأجنبية المباشرة في الإقتصاد، وتوفير جو ملائم للسياحة، وتأمين جو ملائم للإستثمار في القطاعات التكنولوجية وصناعة المعلومات، التي لا تتطلب الكثير من الرساميل، ويبرع فيها اللبناني. ذلك من دون أن ننسى إستئصال الورم الخبيث المتمثل بالفوائد المرتفعة الذي يتمدد على كامل الجسم اللبناني، ويقضي على كل محاولات النمو الحقيقي.


MISS 3