أبو زهير

الطائفة المُربَكة...

أخلو إلى شياطيني كل يوم بين الساعة الثانية والرابعة من بعد الظهر. أهرب من المنزل والحرّ نتيجة انقطاع الاشتراك (الله يقطع رقبته) ساعتين لزوم "ترييح" المولد، فأقصد المقهى علّي أجد نجواي هناك، فأنفخ سكينتي بـ "نَفَس" أرجيلة عجمي مع فنجان قهوة. هذه الطقوس أمست عندي كفرض الصلاة، ألوذ إليها هربًا من أم زهير، فوق مرارة الحرّ ورمضاء.


أمس، وصلت إلى المقهى وكان الجدل ساخنًا. أبو عمر ممسكًا بنبريش الأرجيلة، يسحب منه السحبة تلو الأخرى وينفخ مرارته صعودًا نحو السقف. أما أبو علي، فكعادته يصرخ ويقفز في مكانه مجادلًا أبا موريس.


الموضوع هو هو. سلاح "المقاومة" (على زعمه) وأولويات الطائفة، وملف إعادة الإعمار الذي طال وأمسى بلا أفق بعد الضربة التي تلقتها إيران من العدو الغاشم والشيطان الأكبر بالتكافل والتضامن. يبدو أبو علي هذه الأيام مربكًا ولا يعرف ماذا يريد. يريد في الوقت عينه أن: يقاتل إسرائيل، ويعيد بناء منزله الذي تهدم في الجنوب، وفي الوقت نفسه ترميم المنزل الآخر المتصدّع في الضاحية. يرفض أبو علي الإقرار بالهزيمة ويؤكد أنّ "المقاومة" باقية باقية باقية حتى انقطاع النَفَس (نفسه وليس نفس العجمي).


أما أبو موريس، فهو الآخر يعرف أنّ كلام أبي علي هو مجرّد ادعاءات فارغة وغير قابلة للتحقق، لكنه برغم ذلك يحتدّ، ويرفض، ويشجب، ويستنكر ويندّد...ثم يحذّر: "سلّموا السلاح وإلاّ... وِلا ها!".


أبو عمر هو الأكثر هدوءًا بين المتخاصمين. يأخذ وضعية "جمهور كرة المضرب". يؤمىء برأسه يمنة لمتابع أبو علي، ويسرة لتتبّع استطرادات أبو موريس، ثم يغمز بحاجبه وينفخ دخانه إلى الأعلى.


سألته في خضم النقاش: "إنت شو رأيك يا أبو عمر؟". فلم يتنحنح، نظر إليّ بهدوء وقال: "متل ما بريد الله".


هؤلاء الرجال الثلاثة، يمثلون طوائفهم. أبو عمر هو المثال الحيّ للطائفة السنّية الضائعة، التي سلّمت أمرها للباري. أمّا أبو موريس فهو Typical example عن الطائفة المسيحية بكل مشاربها: غير راضية عن الوضع، ودائمًا معترضة.


أما أبو علي، فهو Copy/paste عن حال الطائفة الشيعية: مُربكة، تارة تقتدي بأقوال الشيخ نعيم قاسم الذي أبدى استعداده، قبل أيام، لمواجهة إسرائيل مجددًا، فتطيّب له وتقول: "زِدّ، حتى لو كان ذلك على حساب خراب ما تبقى". في الوقت نفسه تريد تعويض ما خسرته وتطمح إلى إعادة الإعمار، وكذلك في الوقت نفسه أيضًا ترفض تسليم السلاح تحت أيّ ظرف. بينما هي كنعيم قاسم بِحِلّ من أيّ مسؤولية أو قيد أو شرط... وحلّها إذا بتنحلّ!