لا دراسات محددة عن نسبة المدمنين والمتعافين من الإدمان في مراكز العلاج في لبنان إنما هناك تضخمّ في الأعداد بسبب انتشار المخدّر بوفرة في المناطق. كما تُسجّل للأسف حالات عند أطفالٍ صغار في التاسعة والعاشرة من العمر يستهلكون مادة الحشيش وسواها.
لكل مدمنٍ خطة علاجية محددة ومرحلة تستوجب شجاعة لاستعادة حياته السليمة. ولكن يبقى التحدي الأكبر والأصعب الانخراط مجددًا في المجتمع.
لكل مدمنٍ خطّة علاجية واضحة ومحددة، وفق نوع المادة، ومدّة إدمانه، والتجربة الصعبة التي عاشها، والخسارات الجسدية والنفسية والتربوية والاجتماعية والقانونية التي تكبدها. لذا عند استقبال النزيل في مركز "أم النور"، يتعرّفون إليه وإلى عائلته عن كثب، ويُشخّص فريق عمل متخصص وضعه على الصعد كافة لتحديد ما إذا كان يُفترض تحويله إلى علاج داخلي، ووضعه في مجتمع علاجي (أي التأهيل)، أو تحويله إلى علاج خارجي. ويكون ذلك، وفق حالته ومستوى إدمانه، ومدى اتكاله على المخدّر، وتأثيراته في حياته. فيتحوّل بداية إلى مستشفى حيث يمكث بين 15 و30 يومًا للتخلص من المادة المخدّرة، بعدها تنطلق مرحلة التأهيل.
تمتدّ فترة التأهيل الداخلي 15 شهرًا، وتنقسم إلى 5 مراحل، 3 أشهر لكل مرحلة. وتفنّد مديرة الخدمات والدائرة العلاجية في "تجمّع أم النور" إليان حداد، هذه المراحل الخمس فتقول: "مرحلة النزيل، مرحلة المرافق، رئيس وحدة، إشراف وانخراط".
في المرحلة الأولى، يُخصّص لكل نزيل مرافق يهتمّ به، ويشكّل له فريق عمل متعدد الاختصاصات للمساندة والتشجيع، كونه يعيش في هذه المرحلة مشاعر ضياع، وتردد، وخوف، وإرباك بسبب اختباره نظامًا جديدًا ونمط حياة جديدة.
في المرحلة الثانية، يصبح النزيل مرافقًا لنزيل جديد. بعدها يتحوّل إلى مسؤول عن إحدى الوحدات المحددة في المركز وهي إمّا العمل، أو المطبخ أو الزراعة. وتكون هذه المرحلة كفيلة بتنمية الانضباط لدى الشخص وإعادته إلى نمط الحياة الطبيعية من خلال النشاطات الهادفة، حيث يُحدّد له وقت الاستيقاظ وتناول الطعام والعمل والنوم. فيعتاد على ساعات العمل الطبيعية، وتتزامن هذه المرحلة مع اجتماعات هادفة لتعزيز التعبير والمواجهة والمصالحة مع الذات والآخر. أمّا المرحلة الأخيرة، فهي مرحلة الانخراط حيث يتفاعل المعافى مع الخارج أكثر من الداخل، ليبدأ البحث عن العمل".
وتشير إلى دعم المركز في هذه المرحلة للمعافى من أجل إيجاد عملٍ مناسب، أو من أجل العودة إلى مقاعد الدراسة والتخصص. "كما نسعى إلى جعله إنسانًا متزنًا في المستويات الاجتماعية والنفسية والتربوية والعلائقية والروحية والعملانية".
وردًا عن سؤال حول ما إذا كانت مرحلة العلاج والتأهيل كافية لانخراط المعافى في المجتمع، تقول: "كافية للعمل على المعايير كلها، أي الانضباط، التعبير واللقاء مع الذات، والشفاء من المشاعر السلبية التي ولّدتها الأفعال السابقة، الجهوزية للانخراط في المجتمع وتعلّم الالتزام وتحمّل مسؤولية الذات والآخرين، واستعادة العلاقة السليمة مع العائلة. وكل ذلك بإشراف فريق العمل".
وكيف يتأهّل المعافى للانخراط مجددًا في المجتمع؟ تجيب: "بعد إنهاء التأهيل في مركز العلاج الداخلي يتحوّل إلى مرحلة الانخراط في مركز المتابعة، حيث يتابع على مدى عامين اجتماعات دورية تقدّم الدعم النفسي والاجتماعي الكافي لعدم السقوط مجددًا، فضلًا عن الدعم اللازم للانخراط في المجتمع ولملمة الحياة التي يحلم بعيشها".
وترتكز الخطوات المتّبعة على مساعدته على وضع خطة هادفة لحياته المقبلة، سواء أراد تأسيس عائلة أو العودة إلى عائلته، فضلًا عن الأهداف العملية أي كيفية البحث عن عمل. فيتم دعمه نفسيًا لمواجهة الضغوطات في هذه المرحلة بطريقة سليمة.
وتضيف حدّاد: "انطلاقًا من إيمان مركز "أم النور" بأهمية إعادة دمج الشخص في مجتمعه، يشمل العلاج برنامجًا متكاملًا موجّهًا إلى عائلة النزيل المستفيد. إذ إنها تتحمّل أحيانًا جزءًا من المسؤولية، ما يستدعي مواجهتها للواقع والعمل على تجاوزه. وفي الوقت نفسه يقع على عاتقها دور أساس في دعم عودته إلى المنزل في بيئة خالية من الضغوط، تمكّنه من استعادة علاقته السليمة مع أفرادها. فغالبًا ما تفقد ثقتها بإمكانية عودته إلى حياته الطبيعية، ويُرافقها شعور بالذنب يؤثر سلبًا على نمط حياتها العاطفي والاجتماعي والعائلي".
وعن التحديات والصعوبات في مرحلة ما بعد العلاج، تقول: "من الطبيعي أن يواجه تحديًا كبيرًا لجهة البحث عن عمل، واكتشاف أصحاب العمل بأنه كان مدمنًا على المخدرات، لذلك نعمل دائمًا على ابتكار شبكة اجتماعية تتضمّن أشخاصًا يفهمون الإشكالية، ويعرفون بأنه يحق للمعافى فرصة ثانية. لذلك تمكنّا مع الوقت من إيجاد متفهّمين ومتعاونين. مع الإشارة إلى أن ثمة مسؤولين وجّهوا موظّفين لديهم إلى مركز العلاج على أن يعودوا إلى وظيفتهم بعد انتهاء فترة التأهيل. إنما لا يزال هذا الموضوع مصدر تحدٍ، خصوصًا أن المجتمع لا يتقبّل كثيرًا المدمن السابق. من جهة أخرى، هناك أفراد متعاونون نستفيد من إنسانيتهم وتجاوبهم لتحويل المتعافين للعمل لديهم.
يذكر أن "أم النور" تفسح في المجال أمام المتعافين الكفوئين بإشغال وظائف شاغرة لديها، "لذلك ثمة عدد من الموّظفين والإداريين والمؤسسين ممّن كانوا مدمنين سابقين وتعافوا في مراكزها".
وعمّا إذا كان النزلاء يتكبّدون أي مصاريف في فترة العلاج تقول: "نحن نعتبر أنفسنا جزءًا من الدولة ونحظى بدعم مادي من وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية، كما نتلقّى الدعم من المشاريع الخارجية والمساهمات، فنقدّم خدماتنا مجانية من دون تمييز ديني أو عرقي أو جنسي، ملتزمين مبدأ السرية المهنية. ويضم الفريق العامل مجموعة من الاختصاصيين في مجالات متعددة، نظرًا لتشعب مشكلة الإدمان وتداخل أبعادها النفسية والاجتماعية والروحية".
نصيحة لكل متعافٍ - لتطبيق كل ما تعلّمه في مركز التأهيل في المجتمع - "أم النور" موجودة لدعم المعافى في أي مرحلة وفي حال شعر بالضعف تجاه أي مادة - نتمنّى على كل متعافٍ ألا يضع نفسه في موقع أو موقف يذكّره بهذه المادة |