نايف عازار

التطبيع السوري - الإسرائيلي بين المكاسب الأمنية و"الجنّة الاقتصادية"

"بيبي" معجب بسياسة "أستاذه الأميركي" (رويترز)

تصاعد الحديث في الآونة الأخيرة عن ارتفاع أسهم بورصة "الاتفاقات الإبراهيمية" التي قد تنضمّ إلى ركبها سوريا الجديدة، بعدما سبقها إلى قطار التطبيع في السنوات الأخيرة كلّ من المغرب والسودان والبحرين والإمارات. فبعد هجمات 7 أكتوبر 2023 المفصلية وما أعقبها من حروب خاضتها الدولة العبرية وحققت فيها انتصارات كبيرة على ألدّ أعدائها بحكم تفوقها التكنولوجي والاستخباراتي، بدءًا من غزة مرورًا بلبنان وسوريا ووصولًا إلى إيران، وطبعًا بمباركة ورعاية أميركيتَين منقطعتي النظير، تجهد الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو لتعزيز مناخ "الإنجازات العسكرية"، من أجل ترجمة هذا "الزخم العسكري" وجني ثماره السياسية على طاولة المفاوضات، بغية تكريس التحوّلات في منطقة الشرق الأوسط لمصلحتها، وتثبيت واقع سياسي جديد مختلف عن السابق، وهي تنطلق من موقع "المنتصر في الحروب" الذي يملي الشروط على الآخرين ويخضِع مفاوضيه، مستخدمًا "سياسة العصا والجزرة" في آن.


فرض السلام عبر القوة

لا ريب في أن تحريك مياه التطبيع مع إسرائيل الراكدة في قعر المحيط العربي المترامي الأطراف والمتحوّل، يعزِّز من مكانة نتنياهو المأزوم سياسيًا بسبب مضيّه في حرب غزة، والملاحق قضائيًا بتهم فساد، وبالتالي لا تمانع تل أبيب في إعادة ترتيب علاقاتها مع "سوريا الشرع"، وفق مصالحها طبعًا، وفي التركيز على ترتيبات أمنية حدودية تحفظ "خاصرتها الأمنية الرخوة" على التخوم السورية.


ولا شك أيضًا في أن "بيبي" معجب بسياسة "أستاذه الأميركي"، لذا يرنو إلى انتهاج أسلوب قائد سفينة "العمّ سام" المتمثّل بـ "فرض السلام عبر القوة"، لذلك حرصت الدولة العبرية على تدمير المنظومة العسكرية السورية بصورة شبه كاملة، فور سقوط النظام السوري البائد، تمهيدًا لجلب السوريين منهَكين إلى طاولة مفاوضات صُمّمَت بمقياس إسرائيلي صرف، وتكون تل أبيب بذلك أوجدت "فرصة ذهبية" قد لا تتكرّر، في ظلّ حال الوهن التي أصابت سوريا، شأنها شأن المحور المتهالِك الذي كانت تنتمي إليه بقيادة نظام الملالي الذي استحال "رجلًا مريضًا" بعد الحرب الإسرائيلية عليه، والضربات الأميركية القاصمة التي أعادت برنامجه النووي، "مفخرة الجمهورية الإسلامية"، سنين نووية إلى الوراء.

هذا على الضفة الإسرائيلية، أمّا في تلك السورية، فيعتبر المراقبون أن وصول الرئيس أحمد الشرع إلى قصر الشعب لم يكن ليتم أصلًا لولا تعهّده المسبق "تحت الطاولة الأميركية" بإبرام، إن لم يكن تطبيعًا مع الدولة العبرية، فعلى الأقل "اتفاق عدم اعتداء" يقود في المستقبل إلى تطبيع شامل، متى نَضُجت أكثر ظروف المنطقة.


الظفر باتفاق أمني

ما يهمّ سلطات دمشق الوليدة في الوقت الراهن، الظفر باتفاق أمني مع إسرائيل يكبح جماح هجماتها في الجنوب السوري وينصّ على الانسحاب منه، ويضع حدًا لمرامي تل أبيب لتقسيم سوريا إلى دويلات ضعيفة وهشة وغير متماسكة. كذلك يطمح الشرع من خلال إبرام أي اتفاق مع إسرائيل، إلى تعزيز دخول دمشق "جنة الاقتصاد العالمي"، بعدما رُفعت رسميًا العقوبات الأميركية عنها في الآونة الأخيرة، تمهيدًا لبدء رحلة إعادة الإعمار، التي تحتاج إلى تدفق مئات مليارات الدولارات الغربية والعربية إلى المدن السورية المدمّرة والمنهكة.

وإذا كان الشرع وهو "الجولاني السابق" المتدرّج والمتحدّر من جذور إسلامية لطالما كانت تكنّ العداء الشديد لإسرائيل، يتوجّس من رد فعل "بيئته الحاضنة" في حال ذهابه بعيدًا في اتفاق تطبيع مع الدولة العبرية، فإن المعضلة الأبرز تكمن في النزاع القائم على هضبة الجولان السوري التي احتلّت إسرائيل نحو ثلثي مساحتها خلال "حرب الأيام الستة" عام 1967 قبل أن تضمّها عام 1981 والتي تطالب سوريا تاريخيًا باستعادتها، خصوصًا بعد سيطرة الجيش الإسرائيلي العام المنصرم على ثلثها المتبقي ووصوله إلى المنطقة العازلة الفاصلة بين سوريا والهضبة المحتلّة عقب سقوط نظام الأسد الفارّ، خصوصًا أيضًا بعد اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال فترة ولايته الأولى بضمّ إسرائيل للمنطقة، ثمّ تباهيه بذلك إبّان حملته الانتخابية عام 2024.