مسعود محمد

ما انعكاس فوز بايدن على الأكراد؟

9 تشرين الثاني 2020

02 : 01

الأكراد يرَون في واشنطن حليفاً سياسيّاً يُتيح لهم دوراً أكبر في مستقبل سوريا (أ ف ب)

الأكراد كغيرهم كانوا يترقبون نتائج الإنتخابات الأميركية وتسلّحوا بالصمت حيال المرشّحين مع رغبة دفينة بوصول المرشّح الديموقراطي جو بايدن إلى الحكم، فالديموقراطيون لديهم أجندة واضحة في ما يختصّ سوريا وتركيا والعراق وإيران، وهم يُمثلون اليوم موقف الدولة العميق للولايات المتحدة الأميركية.

الموقف الأهم المنتظر ديموقراطيّاً هو كبح جماح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وإعطاء فرصة للمزيد من الديموقراطية في تركيا، وتحريك فرص حلّ القضية الكردية في تركيا عبر الدفع نحو مزيد من الديموقراطية وتمثيل الكرد في مؤسسات الدولة التركية كمواطنين درجة أولى في المرحلة الأولية للحل، وصولاً إلى نقاش عميق يتعلّق بمستقبل أكراد تركيا من خلال بلورة تيار كردي ديموقراطي يكون بديلاً عن سلاح حزب "العمال الكردستاني"، الذي كان مضرّاً بالقضية الكردية بشكل مواز لأردوغان.

سوريّاً، كانت الولايات المتحدة بحاجة إلى حليف داخل سوريا لمواجهة "داعش" من جهة، وللرفع من ضغوطها على نظام الأسد وكذلك لمواجهة التمدّد الروسي - الإيراني من جهة أخرى، فوقع الاختيار على المقاتلين الأكراد الذين رأوا في واشنطن قوة عسكرية تُساعدهم في التصدّي لخصومهم، ورأوا فيها أيضاً حليفاً سياسيّاً يُتيح لهم دوراً أكبر في مستقبل سوريا، سواء إن استمرّ نظام الأسد الذي وقع بينه وبين المقاتلين الأكراد نوع من التقارب في مواجهة "داعش"، أو إن لم يستمر هذا النظام. دخل أكراد سوريا في حوار مع النظام برعاية روسيّة بالتوازي مع حوار كردي - كردي سوري برعاية كردستان العراق لتحسين شروط تفاوضهم. وصول بايدن إلى البيت الأبيض يؤمّن لهم مظلّة حماية تبعد عنهم التهديد الأردوغاني، ويُثبّت الوجود الأميركي في شمال شرقي سوريا، ويُسهّل الوصول إلى مفاوضات تؤدّي بحدّها الأدنى إلى لامركزية في حكم سوريا يكون للأكراد موقعهم فيه بشرط إبتعاد حزب الإتحاد الديموقراطي عن حزب "العمال الكردستاني"، وهو عمل أسّس له الجنرال مظلوم عبدي عبر تقاربه مع القوى الوطنية الكردية السورية المنضوية تحت جناح الإئتلاف، وتقرّبه من رئيس إقليم كردستان العراق نجيرفان بارزاني.

أكراد العراق سيكونون مستفيدين بدورهم من انتصار بايدن، فالديموقراطيون والجمهوريون يُجمعون على ضرورة وجود علاقة طيّبة مع الكرد، ويعتبرون الكرد حليفاً مهماً في المنطقة، بفارق بسيط وهو أن الديموقراطيين يؤمنون المزيد من الإستقرار في العلاقات الكردية - الأميركية من دون مفاجأة غير متوقعة كالإنسحاب الأميركي الذي باشره الرئيس دونالد ترامب بلا تفاهم مع الكرد حول إرتداداته.

الخلاف الكردي - الأميركي الوحيد هو حول الإستقلال وليس حول موقع الكرد وإعطاء دور مهم لهم في تركيبة عراق ما بعد صدام حسين، أمّا لماذا لا تدعم الولايات المتحدة الاستقلال الكردي؟ حينما طرح موضوع الإستفتاء، أخبرت واشنطن الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق مسعود برزاني أن الاستفتاء لن يكون جيّداً للإقليم ولا للعراق، وسيصبّ في مصلحة المتشدّدين وفي مصلحة إيران التي تحتفظ بنفوذ كبير في العراق. وإعتبر الأميركيون آنذاك أن الظروف السياسية ليست مواتية لانفصال الإقليم، إذ إن الإقليم يفتقر إلى العوامل التي تصنع الدولة المستقلّة، هذا فضلاً عن عدم استعداد جيران الإقليم لقرار من هذا الحجم.

الخاسر الأكبر والذين سيدفعون ثمن وصول بايدن إلى الرئاسة في الولايات المتحدة هم أكراد إيران، فكما هو معلوم، يرفض الديموقراطيّون فكرة إسقاط النظام الإيراني، وهم سيسعون إلى التفاوض من جديد مع النظام، إلّا أن تلك المفاوضات لن تكون سهلة وعلى قاعدة "عفا الله عما مضى"، والعودة إلى الإتفاق النووي دون أي تعديلات. فلقد أصبح جليّاً أن ذلك الإتفاق يجب أن يشمل برنامج الصواريخ الإيراني، وسيشمل طبيعة دور طهران في المنطقة بما يحفظ أمن إسرائيل، ما قد يُشكل مفاجأة كبيرة عبر إطلاق حوار غير مباشر بالواسطة في ما بين إيران وإسرائيل.

الكرد الإيرانيون أمام مرحلة صعبة تقتضي منهم واقعية سياسية قد تُفضي إلى التفاوض مع النظام الإيراني، برعاية إقليم كردستان والمجتمع الدولي، على قاعدة تفعيل مواد دستورية إيرانية تسمح باستخدام اللغة الكردية وإنتخاب ممثلين محليين للكرد في الإنتخابات البلدية والمحلية، وهذا يتطلّب تحالفاً كرديّاً - كرديّاً إيرانيّاً وطيداً وتفعيل جبهتهم الداخلية وتوحيد صفوفهم لمواجهة أيام وصفها مسؤول كردي إيراني بالصعبة.