شروط الحريري "تعجيزية" و"حزب الله" يريد تشكيلة "تكنوسياسية"

المبادرة "تبخّرت" والمداورة "سقطت"

01 : 59

انتشار أمني في محيط "ميرنا الشالوحي" بالتزامن مع المؤتمر الصحافي لباسيل أمس (رمزي الحاج)

تبعثرت الأوراق وتشقلبت الأولويات وتبدّلت المعطيات، فما كان قبل الانتخابات الأميركية على المستوى الإقليمي لن يكون كما بعده، والحسابات الداخلية قبل العقوبات على جبران باسيل ليست كما بعدها... حتى المبادرة الفرنسية ترى مصادر سياسية مطلعة أنّها "تبخرت عملياً" وأصبح الفرنسي ينتظر ما ستؤول إليه الأمور في أميركا بعد الإنتخابات كي يشكل مع الإدارة الجديدة فريقاً ثنائياً لمقاربة الملف اللبناني، مؤكدةً لـ"نداء الوطن" أنّ كل ما يُحكى عن أنّ هناك رعاية دولية وخصوصاً فرنسية لتشكيل هذه الحكومة هو "محض أوهام"، وقد تجسد ذلك في الإتصال الأخير بين الرئيسين إيمانويل ماكرون وميشال عون، وسط إشارة المصادر نفسها إلى أنّ السفير بيار دوكين بات "الصلة الفرنسية شبه الوحيدة المتبقية مع المبادرة الفرنسية".

وكما تبخرت المبادرة، كذلك سقطت المداورة في الحقائب السيادية الأربع، حسبما نقلت مصادر مواكبة، مشيرةً إلى أنّ "القديم سيعود إلى قدمه" في توزيع حقائب المالية والداخلية والطاقة والدفاع، بعدما أجهض تمسك الثنائي الشيعي بحقيبة المال محاولة اعتماد مداورة شاملة في حزمة هذه الحقائب، ثم ما لبث مبدأ "المعاملة بالمثل" أن طغى على مطالب الأفرقاء الآخرين واصطدم مسعى "تطييف" المداورة، لا سيما في الداخلية والخارجية، بعقبات متشعبة ومتشابكة، سرعان ما أفضت إلى إعادة تثبيت الحقائب السيادية وفق الخارطة الطائفية القديمة.

المصادر تختصر حقيقة ما يدور في كواليس تشكيل الحكومة بالقول: "الرئيس المكلف سعد الحريري يتصرف على أنه لا بديل عنه في رئاسة الحكومة، وبالتالي على رئيس الجمهورية الإذعان لمطالبه في حال أراد أن يكمل ما تبقى من عهده بشيء من الإستقرار السياسي، وإلا فإن البديل فراغ حكومي وسياسي يضع البلاد عموماً، والعهد خصوصاً، أمام تحديات خطيرة على مختلف المستويات، الإقتصادية والمعيشية والمالية والأمنية وسواها، كما أن الحريري يستقوي من ناحية أخرى بأنه هو رئيس الحكومة الوحيد القادر على فتح أبواب الإتصالات والعلاقات مع الخارج مستعيناً برصيد أبيه، خاصة مع الرئاسة الفرنسية التي لا بد من اللجوء إليها كمعبر إلزامي لإستقدام إهتمام دولي وإقليمي بلبنان ينتشله من الحضيض".

ورأت أنّ الحريري عمد إلى فرض "شروط تعجيزية" على رئيس الجمهورية، أهمها: "المطالبة بالمشاركة في الحصة المسيحية من الحكومة التي سبق وحصر عددها بـ18 وزيراً لاستبعاد أي تمثيل للنائب طلال أرسلان وآخرين في الطائفة الدرزية، بهدف إكتساب دعم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط المطلق له". أما في ما خصّ الحصة المسيحية التي تبلغ 9 وزراء، فطالب الحريري "بحقه في تسمية وزير مسيحي للحزب القومي وآخر للطاشناق، وبرغبته إعطاء حقيبتين لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية، ما يُبقي 5 حقائب لعون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، كما طالب الحريري بالمشاركة في تسمية وزير الخارجية لأنه يريد شخصية في هذه الحقيبة تتناغم معه لإعادة إحياء علاقات لبنان الخارجية، وأيضاً المشاركة في تسمية وزير الطاقة لأنه مصمم على إنهاء هذا النزيف المالي الهائل في موضوع الكهرباء، لذلك يريد شخصية مرنة وخبيرة يكون قادراً على التفاهم معها لإنجاز هذا الملف بسرعة، الأمر الذي يعني أن عون وباسيل سيُسمح لهما بتسمية 3 وزراء يمثلونهما مباشرة ودون شراكة"، مع إشارة المصادر إلى ان الرئيس المكلف "يدير معركة تشكيل الحكومة بأعصاب باردة بحيث كان لافتاً أنه خلال لقاءاته مع عون لم يبد أي إستعجال لإنجاز التشكيل".

وتوازياً، لوحظ أنّ "حزب الله" يقف متفرجاً وتاركاً الأمور لعون والحريري كي يتفاهما على تفاصيل التشكيل، فيما عينه على البرنامج الإقتصادي والمالي الذي على أساسه سيقود الحريري حكومته. وإذ تتحدث المعطيات المتصلة بموقف الحزب عن أنه تأكد من خلال إتصالاته المباشرة مع الجانب الفرنسي أنّ المبادرة الفرنسية لم تعد موجودة، كشفت أوساط مطلعة أنّ مقربين من "حزب الله" شددوا خلال الساعات الأخيرة على أنّ "الصيغة الاختصاصية" التي تم اعتمادها لتأليف الحكومة لم تعد تحاكي ضرورات المرحلة، وأبدوا في المقابل ميلاً واضحاً نحو العودة إلى "الصيغة التكنوسياسية"، باعتبارها تتماشى مع المستجدات والتحديات.

وعليه، توقعت الأوساط أن تشهد الأيام المقبلة دخولاً جدياً من "حزب الله" على خط التأليف، انطلاقاً من الكلمة المرتقبة لأمينه العام السيد حسن نصرالله بعد غد الأربعاء، بحيث سيرتكز حراك الحزب باتجاه الملف الحكومي على ركيزتين أساسيتين، الأولى تتمحور حول إعادة التموضع إلى جانب المطالب الوزارية لرئيس "التيار الوطني الحر" بعد العقوبات الأميركية التي فُرضت عليه، والركيزة الثانية تتصل بتظهير تصور "حزب الله" الداعي إلى إعادة إحياء الطابع السياسي للحكومة العتيدة، بشكيل يلحظ التوازنات السياسية والطائفية في عملية تأليفها، والإقلاع عن تكبيل عملية التأليف بقيود ومعايير مستحدثة، على أن يُترك لكل مكوّن تسمية وزرائه الاختصاصيين حسبما يراه مناسباً، وفقاً للحقائب التي يتولاها في التشكيلة المرتقبة.