خالد أبو شقرا

تركيبته تراعي المحاصصة الطائفية وتضمن التوازنات السياسية

مجلس الإنماء والإعمار... مخاطر الفساد "منّو وفيه"

11 تشرين الثاني 2020

02 : 01

عيّنة عن مشاريع الصرف المنفّذة

تفادي الروتين الإداري من أجل تسريع عملية إعادة بناء ما تهدّمه الحرب تَطلّب وجود مؤسسة محورية ديناميكية وسريعة. فوُلد في العام 1977 مجلس الإنماء والإعمار بصلاحيات استثنائية. المجلس سرعان ما حل مكان ثلاث إدارات منفصلة بالغة الأهمية وهي وزارة التخطيط، ومجلس تنفيذ المشاريع الإنشائية، ومجلس تنفيذ المشاريع الكبرى لمدينة بيروت. ومنذ ذاك الحين لغاية اليوم تحال اليه جميع المشاريع والأعمال. فيقوم بالتخطيط والتنفيذ والصيانة والمراقبة لمعظم المرافق العامة نيابة عن الحكومة اللبنانية أو غيرها من المؤسسات العامة. وبحسب بعض الأرقام فان المجلس كان مسؤولاً عن صرف ما لا يقل عن 9 مليارات دولار من أصل 16 ملياراً رصدت لمساعدة لبنان منذ العام 1990 ولغاية العام 2010. إلا ان مقارنة ما صرف من أموال وما تحقق من خدمات كفيلة بطرح عشرات علامات الإستفهام عن امكانية ضياع مبالغ طائلة في الهدر والفساد.

على الموقع الإلكتروني العائد لمجلس الانماء والإعمار تطول قائمة المشاريع المنفذة. وهي تظهر نوع المشروع، مكانه، رقم العقد، تاريخ التوقيع، قيمة المشروع والشركة الملتزمة وغيرها الكثير من التفاصيل العامة البالغة الأهمية. إلا ان هذا لا يعتبر مؤشراً كافياً عن عدم وجود هدر أو مخاطر فساد في المشاريع المنفذة. "فالفساد يكمن في التفاصيل"، بحسب الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية – لا فساد. وبرأي مديرها التنفيذي جوليان كورسون فان نشر الأرقام "يعتبر المستوى الأول من الوصول إلى المعلومة. ولتحديد مقدار الشفافية في المشاريع المنفذة يجب الأخذ في الإعتبار النقاط التالية: تعليل المشاريع أي مفاد الدراسة التي أجريت. على أي أساس حددت الكلفة؟ كيفية صرف الموارد؟ وهل تمت المناقصات كما يلزم على أساس دفتر شروط مناسب؟ وهل قرارات الصرف مبنية على أسس فيها حجة علمية؟ وهل كانت هناك مراقبة للمشاريع على صعيد النوعية أو على صعيد طريقة الصرف؟ فهذه الحلقة المتصلة التي يمر بها المشروع من حين تولد الفكرة إلى حين التنفيذ والتأكد من حسن التنفيذ، تعتبر مساراً طويلاً من الممكن أن يتضمن مخاطر فساد. خصوصاً إن لم يكن هناك إطار مؤسساتي أو قانوني يحسن الاداء". وهنا يكمن الخلل.

تركيبة تضمن المحاصصة السياسية

مجلس الإنماء والإعمار يعتبر المرجعية الأساسية التي تحضّر المشاريع وتلزّمها وتنفق التمويل وتجري المراقبة على التنفيذ. وبالتالي فان المهام التي يجب ان تكون في مؤسسات منفصلة عن بعضها البعض، تجري في مؤسسة واحدة و"هذا يخالف أبسط مبادئ الشفافية التي تنص على أن لا أحد يراقب نفسه أو أعماله"، يقول المدير التنفيذي لشبكة المنظمات غير الحكومية العربية للتنمية زياد عبد الصمد. وبرأيه فان هناك ثلاث مشكلات أساسية بطريقة عمل المجلس: الأولى، اعطاؤه صلاحيات التوقيع مباشرة مع الجهات المانحة، سواء كان البنك الدولي أوغيره من المؤسسات العالمية، لتنفيذ المشاريع. وذلك من دون الحاجة إلى المرور في السلطتين التنفيذية أو التشريعية بمخالفة لكل الأصول المتبعة في الدول الديموقراطية، حيث تدخل الهبات عبر مجلس الوزراء وليس عبر المجالس والمؤسسات، وأحياناً كثيرة يتطلب قبول الهبات، خصوصاً ان كانت قروضاً، موافقة مجلس النواب واصدارها بقانون. وهذا ما لا يحدث. أما المشكلة الثانية فتتمثل في تركيبة مجلس الإنماء والإعمار التي تراعي المحاصصة الطائفية والسياسية. حيث يوجد لكل طرف سياسي في المجلس موقع يضمن من خلاله حصة معينة سواء كان بشكل مباشر أو عبر تلزيم المشاريع لشركات ومقاولين يدورون في فلكه. المشكلة الثالثة هي عدم خضوع المناقصات العمومية التي يجريها إلى إدارة المناقصات في التفتيش المركزي وتوقيع الكثير من عقود التلزيمات بالتراضي.

تركّز المشاريع

"هذا الواقع جعل عدداً محدوداً من الشركات يسيطر على التزامات مجلس الإنماء والإعمار. حيث لم يتعد عدد الشركات التي نفذت أكثرية مشاريع المجلس العشر شركات"، بحسب كوروسون. "حيث لوحظ ان الشركات التي تستلم العقود والإلتزامات من المجلس تتكرر بطريقة دائمة ولفترة طويلة". وبغض النظر عن هذه الظاهرة الغريبة التي تكفي لاحداث الكثير من الشكوك، فان القاء نظرة عامة على المشاريع المنجزة تبين حجم الخلل الحقيقي. وهذا يعود بحسب عبد الصمد إلى "كيفية تعامل المجلس مع المشاريع من جهة وسوء التنفيذ من جهة أخرى". ولنأخذ مشروعي سد بسري ومحطة التكرير في الضاحية كمثالين لتوضيح الصورة. في الحالة الأولى حصل الكثير من التجاوزات في موضوع تحديد الاراضي الخاضعة للاستملاكات ووضع اللجان والتخمين ودفع التعويضات، والتي كانت جميعها في عهدة المجلس بشكل مباشر. أما في المثال الثاني فان المحطة أقفلت بالباطون المسلح لانها كانت تلحق ضرراً بمنطقة الغبيري بسبب سوء تنفيذها. وهو ما سبب باغراق المواطنين على الطرقات. ومثلهما أمثلة لا تعد ولا تحصى في مجاري الصرف ومحطات التكرير على الليطاني ومختلف الانهر.. وغيرها الكثير من المشاريع التي دفعت الأموال عليها ولم تنجز، أو أنجزت بطريقة خاطئة وبكلفة أقل بكثير من تلك المرصودة لها بعد اقتطاع جزء من الاموال كعمولات وسمسرات.

لا رقابة

خضوع مجلس الإنماء والإعمار لرقابة ديوان المحاسبة اللاحقة لم تشكل فرصة لوضع حد للتجاوزات أو تقدم إجابات عن الاستفسارات الكثيرة عن أعماله. إذ انه من غير المعروف، بحسب كوروسون، "مدى الملاحقة الجدية لملفات المجلس، حيث يواجه ديوان المحاسبة تحديات على صعيد عدد الافراد المولجين ملاحقة الملفات، خصوصاً ان أكثريتهم يعملون على حسابات الموازنة العامة لآخر 20 سنة".

الدفوع الشكلية التي تسوقها كل المؤسسات المتهمة بالفساد وهدر المال العام من الكهرباء مروراً بالوزارات ووصولاً للمجالس والصناديق، يكذّبها حصول لبنان على الدرجة 28/100 في امتحان الفساد الذي يستند الى مؤشرات عديدة تُقاس من خلالها مستويات الفساد. فلبنان قد احتل المرتبة 137 عالمياً على مدركات الفساد في العام 2019 من أصل 180 دولة يقيسها المؤشر. فان كان لا أحد في الدولة فاسداً فمن أين يأتي هذا التقييم السلبي؟