د. ميشال الشماعي

موفدون يأتون وسفراء يغادرون

14 تشرين الثاني 2020

02 : 00

على إيقاع المفاوضات الدائرة في منطقة شرق المتوسط، عقد النظام السوري يومي 11 و 12 المنصرمين في العاصمة السورية دمشق، مؤتمراً لعودة اللاجئين السوريين، وبحسب ما أعلن معاون وزير الخارجية السوري أيمن سوسان، كان بمشاركة كلّ من الصين وروسيا وإيران ولبنان والإمارات وباكستان وعمان، في ظلّ إعلان وزير خارجية الإتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الثلثاء الماضي، أنّ دول الاتّحاد لن تشارك في المؤتمر الدولي حول اللاجئين والنازحين. ما يعني، أنّ مؤتمراً للدول المانحة قد انعقد في غيابها. بينما اقتصرت مشاركة الأمم المتّحدة على دور المراقب. أمّا لبنان، فقد أوفد وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال رمزي مشرفية، بينما كان من المُنتظر أن يتمثّل بسفيره لدى سوريا سعد زخيا، قبل أن يُتّخذ قرار برفع مستوى التمثيل إلى مرتبة وزير نزولاً عند رغبة روسيا، كما ألقى وزير الخارجية شربل وهبة كلمة عن بُعد، أسوة بباقي وزراء خارجية الدول المشاركة لتثبيت المشاركة اللبنانية أكثر.

من الملاحظ هذا الدفع الروسي لإنجاح المؤتمر، ولو على حساب عزلة بعض البلدان، وأوّلها لبنان الذي يعيش ازدواجية التفاوض، حيث يفاوض في ملفّ ترسيم الحدود تحت الرعاية الأميركية، ويشارك في مؤتمر عودة النازحين السوريين تحت الرعاية الروسية.

لن يستطيع لبنان اليوم أن يمارس سياسة اللعب على المحاور. على السلطة السياسية أن تختار في أيّ محور تريد، أو عليها أن تقرّر الحياد، لتسلَم من تداعيات الإنخراط في سياسة المحاور. وفي هذا السياق أتت صرخة بكركي. لكنّ العزلة التدريجية بدأت منذ لحظة مغادرة سفيري السعودية والإمارات في أوائل الشهر، الأول في اجازة والثاني استعداداً لاستلام السفارة في مصر. هناك من قرأ في مغادرة السفيرين، أنها رسالة واضحة لعدم رضى الدول العربية عن النهج الذي تصرّ السلطة اللبنانية على اتباعه في التعاطي بملفّ السياسة الخارجية. وبذلك، دحضت هذه الدول البثّ الإعلامي المُغرِض الذي تقوده ماكينة السلطة السياسية الحالية، ومفاده بأنّ تسوية عربية – لبنانية تلوح في الأفق لإنهاء الأزمة اللبنانية، على قاعدة إعادة إحياء السلطة السياسية القائمة حالياً، وبتغييب كلّي لمطالب الناس والمجتمع الدولي من حكومة اختصاصيين مستقّلين إلى انتخابات نيابية مبكرة وإصلاحات معروفة.

وفي السياق عينه، يبدو أنّنا دخلنا في النصف الثاني من المرحلة الإنتقالية، حيث صار أكثر من نصف لبنان بكثير سياسياً في الحاضنة الايرانية. لذلك، أتت زيارة مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأدنى باتريك دوريل ليؤكّد أنّ المبادرة الفرنسية التي قتلتها السلطة ما زالت حيّة ترزق. لكنّ إصرار السلطة على التموضع في المحور الإيراني لن يكتب لأيّ مبادرة النجاح إلا إن استطاعت تأمين ديمومة هذه السلطة. وهذا ما بات مرفوضاً في المعايير الدولية والعربية كلّها. حتّى محلياً أكثر من نصف الشعب اللبناني قد أعلن رفضه لهذه السلطة، وما زالت تصمّ آذانها عن مطالب اللبنانيين، وهي مستمرّة بتعنّتها، وقد ألزمت لبنان اليوم بمشاركتها في المؤتمر السوري تحت ذريعة حرصها على عودة النازحين؛ في حين أنّ المعرقِل الوحيد هو النظام السوري نفسه، والدليل على ذلك رفضه أكثر من نصف الأسماء التي رفعها اليه الأمن العام اللبناني في لوائح أعدّها لعودة بعض النازحين. من هنا، ضرورة ربط هذا الملفّ بحلّ سياسي، أمّا من يرغب بالعودة الطوعية فليعُد لأنّ مصلحة اللبنانيّين هي فوق كلّ اعتبار، حيث عودة اللاجئ إلى بلاده من دون توفّر عنصر الأمان سيرجعه بشكل مستدام إلى بلادنا، أو قد يبقيه فيها؛ ولنا في النموذج الفلسطيني خير دليل. وهذا الملفّ لا يحتمل المواقف الشعبوية ولا المزايدات الوطنية. وبات واضحاً لمَ لا يريدهم النظام، وذلك للأسباب الديموغرافية حيث يعمل على تبديل ديموغرافي بعيد الأمد، قد يطال محافظة إدلب كجائزة ترضية. ومَن يعلم إذ قد يصل حتّى القلب التركي، حيث يقارب عدد العلويين هناك الـ 25% من التعداد السكاني!

لذلك كلّه، تداعيات المغادرين والموفدين ستكون لافتة في المرحلة القادمة على لبنان. ولن تسلم السلطة السياسية من أيّ وسيلة قد تتّخذها دول الغرب لانتزاع لبنان من أتون الممانعة الذي يحرقه دولياً وعربياً. حتّى المفاوضات حول الترسيم التي برز فيها المفاوض اللبناني شرساً وصاحب حقّ، قد يضيّعها اللبنانيون نتيجة لتحوّلهم دولة فاشلة مرمية بشكل مطلق في الحاضنة الإيرانية والسورية، مع ما يترتّب على هذا التموضع من تداعيات، في مواجهة علنية لمشروع المنطقة الأكبر الذي يتمثّل في ضبط النزاع الأميركي– الايراني– الروسي حتّى مرحلة ما بعد تشكّل الادارة الأميركية المقبلة على الأقلّ، تمهيداً للمرحلة القادمة التي قد تتجلّى في صراع المحاور. فهل سيبقى لبنان ساحة لصراع هذه المحاور الذي قد يتطوّر إلى حرب كونية ثالثة، كما طالعنا أحد أهمّ الديبلوماسيين العالميين الخبيرين بطبيعة المنطقة الجيوسياسية؟


MISS 3