إيفو دالدير

عملية إنتقالية شائكة في الولايات المتحدة

17 تشرين الثاني 2020

المصدر: Foreign Affairs

10 : 12

إنتهت الانتخابات الرئاسية الأميركية أخيراً وفاز فيها نائب الرئيس الأسبق جوزيف بايدن، لكنه لن يستلم منصبه قبل عشرة أسابيع. تُعتبر هذه العملية الانتقالية المطوّلة غير مألوفة في عالم السياسة ومحفوفة بالمخاطر، لا سيما حين يرفض الرئيس المنتهية ولايته تقبّل الخسارة. من بين الديمقراطيات الكبرى، تُعتبر الولايات المتحدة الدولة شبه الوحيدة التي تحتاج إلى هذه الفترة الطويلة لتنصيب رئيسها الجديد. في فرنسا، يستلم الرئيس منصبه خلال عشرة أيام من الانتخابات. وفي بريطانيا، تصل شاحنات النقل إلى مقر رئاسة الحكومة في الصباح الذي يلي خسارة الرئيس المنتهية ولايته. قد تبدو فترة الشهرَين ونصف في الولايات المتحدة مقبولة مقارنةً بالمكسيك فقط، إذ تمتد العملية الانتقالية هناك على خمسة أشهر شاقة.



مرّت العمليات الانتقالية الماضية بسلاسة في بعض الحالات، حتى لو انتقلت السلطة من حزب سياسي إلى آخر. في اليوم الذي تلا انتخابات العام 1992، دعا الرئيس المُنتخب بيل كلينتون "أصدقاء الولايات المتحدة وخصومها إلى الاعتراف بأن الولايات المتحدة لديها رئيس واحد فقط في كل مرة". حرص الرئيس المنتهية ولايته جورج بوش الأب حينها على تقبّل فوز كلينتون ثم وقّع على اتفاقية أسلحة استراتيجية كبرى مع روسيا بعد بضعة أسابيع. حتى أن المرحلة الانتقالية بين جورج بوش الإبن وباراك أوباما كانت أكثر سلاسة بعد: أدرك الحزبان أن العمليات الانتقالية هي لحظات هشة قد تستغلها الدول أو الجماعات التي تحمل نوايا سيئة تجاه الولايات المتحدة. تعاون بوش وأوباما عن قرب لدرجة أن يجلس المسؤولون السابقون واللاحقون جنباً إلى جنب في لحظة التسليم تحسباً لأي هجوم محتمل.

لكن في معظم الحالات، تكون العمليات الانتقالية بين الرؤساء شائكة ومثيرة للجدل، فيتخذ الرئيس المنتهية ولايته قرارات يعارضها خَلَفه: وقّع كلينتون مثلاً المعاهدة الخاصة بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية في كانون الأول 2000 مع أن خَلَفه كان يعارضها على مر حملته الانتخابية. وفي حالات كثيرة، يتخذ الرئيس المُنتخَب وفريقه خطوات لانتزاع السلطة من الرئيس المنتهية ولايته. نسف ريتشارد نيكسون مثلاً جهود ليندون جونسون لعقد قمة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وكان اختيار دونالد ترامب لمستشار الأمن القومي مايكل فلين يهدف إلى إضعاف سياسات إدارة أوباما.

لكن من المتوقع أن تترافق العملية الانتقالية الراهنة مع مشاكل غير مسبوقة. يزعم ترامب أنه فاز في الانتخابات، لذا يرفض من الأساس مفهوم العملية الانتقالية نحو عهد رئاسي جديد. أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في وقتٍ سابق: "سيكون الانتقال إلى ولاية ترامب الثانية سلساً". وتأكيداً على هذه النقطة، عدّل ترامب هذا الأسبوع القيادة المدنية للبنتاغون، فطرد وزير الدفاع مارك إيسبر وعدداً آخر من كبار المسؤولين وبدأ يُعيّن الموالين له في أعلى المناصب داخل وكالة الأمن القومي وأجهزة أخرى. كذلك، أمر إدارته بتحضير ميزانية جديدة لطرحها أمام الكونغرس في شباط المقبل، أي بعد رحيله المفترض من سدة الرئاسة. تشير هذه التحركات كلها إلى عملية انتقالية غير مسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة، حيث تستعمل الإدارة المنتهية ولايتها الصلاحيات التي لا تزال تملكها لإضعـاف شرعية الرئيس المقبل ومنعه من استلام السلطة بشكلٍ سريع وفاعل.


خيارات بايدن


لا يشمل النظام الأميركي مفهوم حكومة تصريف الأعمال التي تهدف بكل بساطة إلى ضمان استمرارية العمليات إلى حين استلام الإدارة الجديدة مهامها. ينتخب البلد الرؤساء كي يخدموا الشعب طوال أربع سنوات كاملة، لا أكثر ولا أقل. لهذا السبب، ستضطر إدارة بايدن المرتقبة لانتظار رحيل ترامب طالما يبقى سلوك الرئيس دستورياً ويتماشى مع واجباته القانونية. ما من حل قانوني إذاً لإجبار ترامب على التعاون قبل انتهاء ولايته في 20 كانون الثاني 2021.

في ظل هذه الظروف، يجب أن يقاوم بايدن وفريقه أي رغبة في استعمال صلاحيات الرئاسة قبل ذلك اليوم. مارس الرئيس المُنتخب وفريقه ضبط النفس بشكلٍ لافت قبل الانتخابات، فتجنبوا أي سلوك يوحي بأنهم يحاولون إضعاف إدارة ترامب. على سبيل المثال، دعا فريق الحملة مساعدي نائب الرئيس الأسبق ومستشاريه إلى عدم مقابلة مسؤولين من حكومات خارجية. تنطبق هذه القاعدة نفسها الآن على جميع المشاركين في العملية الانتقالية الرسمية. سيكون الحفاظ على ضبط النفس بالغ الأهمية لأن إطلاق عهد بايدن الرئاسي قبل الوقت المناسب قد يؤكد كلام ترامب عن ازدواجية المواقف في الحزب الديمقراطي بكل بساطة. حتى لو بدت المرحلة الانتقالية طويلة، سيبدأ بايدن بممارسة صلاحياته في وقتٍ قريب بما يكفي.





لكن لا يعني احترام صلاحيات الرئاسة عدم تحريك أي ساكن. عبّر عدد كبير من الرؤساء المُنتخَبين في الماضي عن اختلافهم عن أسلافهم على أمل التأثير على خطوات الإدارة المنتهية صلاحياتها في أسابيعها الأخيرة في الحُكم. من المستبعد أن يؤثر بايدن على ترامب بدرجة كبيرة. لكن من خلال تعريف الناس على فريقه الجديد وإصدار مجموعة ثابتة من البيانات السياسية، يستطيع بايدن أن يثبت للرأي العام الأميركي والعالم مسار إدارته المرتقبة والخطوات التي تنوي اتخاذها. قد تقرر العواصم الخارجية حينها انتظار وصول الإدارة الجديدة إلى السلطة بدل التواصل مع رئيس سيرحل خلال أسابيع. في النهاية، لن تكون معظم الخطوات التنفيذية التي يستطيع ترامب اتخاذها كارثية على الرئيس المُنتخب بل قد تزعجه بكل بساطة: يستطيع بايدن أن يلغي أي قرار تنفيذي بتوقيع بسيط، فيطرد أو يعيد تعيين المسؤولين كما يشاء ويلغي الوعود التي لم تتحوّل إلى قانون رسمي.


نهاية التعاون


يتعلق أكبر تهديد يطرحه ترامب بتفاصيل العملية الانتقالية بحد ذاتها. بموجب القوانين المُصمّمة لتسهيل تسليم السلطة رسمياً، يُكثّف فريق بايدن الصغير نسبياً جهوده الآن لإطلاق عملية شاملة بعدما بدأ اجتماعاته في أيلول الماضي. حدّد بايدن فِرَق مراجعة الوكالات ويُفترض أن تجتمع بكبار المسؤولين في الحكومة الفدرالية استعداداً لأول يوم للإدارة الجديدة. تقدّم تلك الاجتماعات للمسؤولين المرتقبين المعلومات التي يحتاجون إليها لاتخاذ قرارات دقيقة في أول يوم لهم في الحُكم.

لكن أصبحت هذه العملية الرسمية في موضع شك بسبب عدائية ترامب. قبل أن تبدأ العملية الانتقالية قانونياً، يجب أن تؤكد رئيسة إدارة الخدمات العامة، إميلي ميرفي، على نتائج الانتخابات النهائية. ترامب هو من عيّن ميرفي وقد رفضت حتى الآن اتخاذ هذه الخطوة وأصبحت العملية الانتقالية في طي النسيان نتيجةً لذلك. وحتى لو أطلقت ميرفي هذه العملية، من المستبعد أن تكون سلسة. قد يؤخر كبار المسؤولين في الإدارة اجتماعهم مع فِرَق مراجعة الوكالات أو يرفضون مقابلتها بشكلٍ مباشر. وإذا وافق المسؤولون الموالون لترامب على الاجتماع، قد لا يكشفون صراحةً عما يعرفونه أو لا يسمحون لفِرَق العملية الانتقالية بالحصول على الوثائق التي تطلبها، حتى أنهم قد يذهبون إلى حد تدمير السجلات (مع أن هذه الخطوة تُعتبر جريمة فدرالية). وحتى لو سمح ترامب للمسؤولين في نهاية المطاف بأداء وظائفهم الانتقالية التي ينصّ عليها القانون، قد لا يستفيد منهم فريق بايدن كثيراً لأن الإدارة طبّقت مقاربة عشوائية وفوضوية في مجال صناعة السياسة.

مع ذلك، لن تنجح عدائية ترامب في إعاقة جميع جهود بايدن. يستطيع فريق الرئيس المُنتخب أن يبدأ باختيار الأشخاص المناسبين لملء حوالى 4 آلاف منصب سياسي في الحكومة، ويمكنه أن يفتح نقاشات مع مجلس الشيوخ حول المصادقة السريعة على تعيين 1200 منهم. كذلك، يستطيع هذا الفريق أن يُحضّر جزءاً من قرارات بايدن الرئاسية الأولية ويُخطط لتنفيذها وينظّم اجتماعات واتصـالات وزيارات مهمة، داخلياً وخارجياً.

ستكون الأسابيع العشرة المقبلة مضطربة حتماً بسبب تعنّت ترامب. بدأ فريق مختص لديه خبرة واسعة في مجالات الحُكم يعمل منذ الآن لتجهيز إدارة بايدن لاستلام السلطة بحلول 20 كانون الثاني المقبل. لكن لا مفر من أن يُشكك سلوك ترامب بحاجة الولايات المتحدة إلى هذا النوع من العمليات الانتقالية المطوّلة. يكون تسليم الحُكم مسألة معقدة حتى في أفضل الأنظمة الديمقراطية. لكن لم يعد أحد متأكداً من أن العشرة أسابيع هي المدة المناسبة لهذه العملية. تُعتبر هذه الفترة الفاصلة قصيرة جداً لملء جميع مناصب الإدارة الجديدة، إذ تحتاج تلك العملية إلى أشهر عدة وتدوم إلى ما بعد يوم تنصيب الرئيس. لكنّ تسليم السلطة يتطلب أداء اليمين الدستورية بكل بساطة ويقتصر على ثوانٍ معدودة، لا عشرة أسابيع.

نظراً إلى الدراما والفوضى المرافقة للعملية الانتقالية الراهنة، ربما حان الوقت للتفكير بتقصير هذا الإطار الزمني عبر تقريب موعد الانتخابات مثلاً من يوم تنصيب الرئيس الذي يحدّده الدستور. تُعتبر العمليات الانتقالية الرئاسية التي تمتد على عشرة أسابيع أطول من أن تضمن الحفاظ على الهدوء وأقصر من أن تُطلِق خططاً دقيقة، لكنها مدة مناسبة للتسبب بمشاكل كثيرة!