إستغلّ أبو محمد الإقفال، خرج باحثاً عن أمل بين طرقات المدينة الخاوية، وحدها سيارات المفرد تجوبها، يقف الشرطي مطمئنّاً لحجم الإلتزام، فالخوف دخل حياة الناس وباتوا أكثر قلقاً من السابق، "كورونا" يفتك بالعائلات، لم يعد الأمر مزحة، بات موجعاً ومؤلماً.
حتى الإكتظاظ عند محال الخضار خفّ على غير عادته. لم يفتح الجوني للخضار أبوابه، هو الذي عرف بأنّه "بيّ الفقير" ما زال محافظاً على سعر بضاعته الرخيصة، لا يتجاوز سعر الكيلو الـ2000 لكل الأنواع، ربّما اراد التخفيف قليلاً من الإزدحام الذي تشهده محاله يومياً، وربّما أراد أخذ إستراحة لدراسة واقع السوق خصوصاً وأنّه يشهد احتكاراً خطيراً وتلاعباً كبيراً بالأسعار، إذ عاود كيلو البندورة إرتفاعه، وتخطىّ الـ5000 ليرة في عدد من المحال. يتخوّف المواطن من إرتفاع باقي الأصناف ويخشى الجشع اكثر من خشيته الوباء. الأخير دخل فحوصاته في بازار الربح، يراه البعض تجارة مربحة والنتيجة "إنت وحظّك" إمّا "سلبي" أو "إيجابي"، وكأنّ المواطن يلعب "طرة ونقشة"، ما يهمّه هو الرسوب في إمتحان "كورونا" وما يهمّ المختبرات هو تحقيق أرباح هائلة. أخطاء المختبرات عديدة، حسن سجّل فحصه الأول "إيجابي" وفي مختبر آخر "سلبي"، ولم تتعدَّ المدة بين الفحصين 24 ساعة، ويؤكّد حسن وجود تلاعب في النتائج، فالمختبر "يمصّ جيبة" الفقراء.
ليس حسن وحده الذي أكل الطُعم، علي ايضاً أجرى فحص pcr في أحد مختبرات النبطية وجاءت نتيجته "إيجابية"، وفي اليوم الثاني طلب منه المختبر اعادة الفحص لأنّ خطأ ما حصل، فجاءت النتيجة "سلبية". هذا التلاعب بأعصاب الناس يضعه علي وكثر في عهدة وزارة الصحة، ويطالبونها بالمزيد من الرقابة، وكأن المختبرات تريد الربح على حسابنا في ظل الضائقة المعيشية وغلاء الأسعار.أسعار الخضار تحلّق
مُجدّداً، عاودت أسعار الخضار تحليقها، تماماً كالدولار الذي لامس الـ8000 ليرة، ومرجّح إرتفاعه وسط غياب رادع يحدّ من الأمر. فتجّار الدواء ينشطون على خطّ شرائه، وتجّار الخضار ينشطون أيضاً على خطّ رفع الأسعار من دون عذر منطقي، وإن رجحت الكفّة لناحية التصدير وحرمان السوق الداخلي من الخضار.
يبدو أنّ المواطن سيخوض معركة مواجهة الأسعار مُجدّداً، إرتاح قليلاً خلال الفترة الماضية لسبب وحيد، أنه إعتاد الأسعار الحالية وفقدان العديد من السلع، كما إعتاد الغشّ في البضائع، فهذا بات بيضة قبّان التجّار لتحقيق المزيد من الارباح. بات المواطن يشكو سوء المواد المعروضة في السوق، فأغلب السلع الجديدة غير صالحة وبنوعية سيّئة كما وصفتها أمّ شريف التي "أكلت الضرب" بدواء الغسيل المنخفض السعر، ظنّت أنّها حققت إنجازاً وإذ بالدواء ملح يُباع "بالفلت" في المتاجر التي نشطت على خطّ تركيب مواد التنظيف. كثر وجدوا في هذا "الكار" فرصة عمل، بدأوا يصنعون الـ"كلوركس" ودواء التنظيف والمعقّمات في المنازل، تُعبّأ في عبوات بلاستيكية وتباع في محال متنوّعة، أو يجوب بها صاحبها القرى مُطلقاً العنان لأسعاره الرخيصة تخترق آذان الناس المتعطّشة للرخص.
علي، شاب عشريني بدأ أخيراً بصنع هذه المواد في المنزل بعدما أخذ الوصفة من أحد جيرانه، عبر خلط مجموعة أصناف معاً ضمن خلطة عجيبة. يؤكّد علي أن المهنة مربحة والطلب زاد مرّتين كما الأسعار، فالناس تبحث عن الرخص ولو كانت المواد "مش أصلية". يسوّق علي لبضاعته على صفحات التواصل، ويؤمّن خدمة "الدليفيري"، كما يوزّع المواد على العديد من السيدات اللواتي بدأن يتاجرن بها، فالجميع يريد عملاً في بلد بات كشعبه بكامله عاطلاً عن العمل، مستغلين غياب الرقابة الحكومية، حتى وزارة الصناعة والاقتصاد غائبة عن السمع، تركت هؤلاء يسرحون ويمرحون في السوق، من دون حسيب او رقيب، فـ"الجميع مدعوم"، على حدّ قول مهى التي تسأل عن الرقابة.