رمال جوني -

"المزبلة" ملاذ العمّ يوسف للحياة‬

24 تشرين الثاني 2020

02 : 00

يجمع ما تيسّر من بقايا طعام

سقطت أقنعة الإغلاق، فالكلّ فكّ الحجر، ربما لم يلتزم أحد به، من يراقب أصلاً؟ لا أحد. غابت الرقابة، إلعب يا مفرد ومجوز، إختلفت معايير الالتزام هذه المرة عن الإقفال السابق، مع فارق بسيط. في الإقفال الأول إلتزم الناس منازلهم بالرغم من الأعداد الضئيلة في الإصابات، عكس اليوم، الاعداد ترتفع يومياً، والتعبئة "مش موجودة". في الطريق حركة عادية، أشخاص يتنقّلون من دون كمامة، لا ضوابط فعلية للإقفال، "ما حدا سئلان"، وحدها كلمة الفقر تتكلم.

عند تخوم الفقر وقف العمّ يوسف، رفع شعار "المجد للقمامة"، وأسقط تمجيد الزعيم. لم يجد أحداً بقربه في هذه الضائقة سوى كلابه، يصحبها يومياً الى المزابل، تحرسه أثناء تنقيبه عن "بتروله" كما يقول. لا يأبه لنظرات الناس ولا لعباراتهم القاسية، يوكل الى كلابه الأربعة المرافقة له مهمّة الدفاع عنه، لا يترك مزبلة "تعتب عليه"، يجمع ما تيسّر من بقايا طعام وحديد وكل ما يجده، المهم ان يوفر "ثمن رغيف خبزه" المثقل بالوجع. بالرغم من تواجده شبه اليومي على المزابل، لم يلق إشارة دعم أقلّه من جمعيات النبطية وما اكثرها، "فأغلبها وهمية، غايتها الربح على حساب المصلحة". علامات التعب ترسم وجهه الكهل، فما يقوم به ليس سهلاً، ولكن "شو في بديل"؟ لم تلحظ الدولة الفقراء في حساباتها، باتوا اكثر بحثاً عن الأمان الإقتصادي على المزابل، فيما الميسورون يحظون بمساعدة الـ400 ألف ليرة، "وشو عبالن"؟

واقع خطير تشهده منطقة النبطية، فالفقر لامس كل العائلات، بات صعباً عليهم تأمين قوتهم اليومي، ولا من يسأل. لم تخرج الأصوات الإعتراضية حتى الساعة، ولكن "القلوب مليانة" على من سرق خيرات الناس، سيما من بات من دون عمل ومن دون أي أمل في الحياة.

في حي البياض عادة ما يعبر بصحبة مجموعة من الكلاب الداشرة، يلتمّون معاً على المزابل، يبحث بين القمامة عن شيء يقيه عوز الحياة، فالظروف باتت اكثر من صعبة، وتزداد سوءاً مع تزايد جشع التجار الذين لا يرحمون ولا يتركون رحمة الله تهبط على المساكين. إعتاد العم يوسف عمله اليومي، باتت المزابل ملاذه، والكلاب اصدقاءه الاوفياء، يحرسونه من أي محاولة اعتداء، يعيش ملكاً على طريقته، همّه أن يقاوم الفقر ويواجه ظلم دولته التي حرمته كل الحقوق، من معاش تقاعدي وضمان شيخوخة وطبابة مجانية. تمتد يداه الى "الزبالة" تلتقطان ما هو متاح، فيما نظرات الناس تراقبه، لم يسأله أحد عن أحواله ولا عن أوضاعه، يرونه عالة او حثالة المجتمع، فيما هو يكافح لأجل البقاء في بلد الفساد على حدّ قوله، ظلمته الحياة، حرمته كل شيء، لم يجد غير النفايات متنفّسه، أقلّه من دون ضرائب، لا احد يسأله عن السعر، ولن يتفاجأ بالغلاء، لا سياسة ضرائبية ولا سلطة للمصارف عليها، ما يجمعه يبيعه ليعيش، أريد أن أعيش بكرامة، يبدو كمن يبحث عن وطنه، عن بيت ومسكن، عن مكان آمن في بلد بات محفوفاً بالمخاطر الإجتماعية والصحية والإقتصادية. عادة ما يرفض الكلام، اعتاد الحديث مع كلابه، "هم اصدقائي الأوفياء، يخافون علي ويدافعون عني، ليس كالزعماء والمسؤولين، ينسون أوجاعنا، بل يستغلونها ليحققوا مكاسبهم". ناقم على كل شيء، أوجعه الفقر وآلمه المرض، وأتعبه الترحال من مزبلة الى اخرى، يرى داخلها الأمان بالرغم من انها تحوّلت كباشاً وتناتشاً بين الأحزاب. لم يطرق احد بابه ليساعده، لم يفعلها أحد، حتى الجمعيات التي تسمي نفسها إنسانية لم تفعلها، ناقم على الجميع، هم مسؤولون عما آلت اليه أحوالنا، رموا بنا في القمامة فيما يتنازعون على السلطة. أقام جمهوريته الخاصة، أسس منظومة الحراسة ايضاً، صاغ دستور حياته، يمنع اقتراب أحد، فالكل كاذب برأيه، ويستغل فقر الناس ليجمع الأموال.


MISS 3