وليد شقير

أولوية ماكرون لعون مقابل تشتيت الأولويات

27 تشرين الثاني 2020

02 : 00

ترى من قصد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حين قال في رسالته إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في ذكرى الاستقلال، "لديكم فخامة الرئيس مسؤولية خاصة"، بعد أن أكد له أن "العجلة، راهناً، تقتضي تشكيل حكومة من شخصيات مؤهلة، تكون موضع ثقة وقادرة على تطبيق إجراءات خريطة الطريق التي وافق عليها الفرقاء كافة"؟

هل هو قصد أحداً آخر غير الرئيس عون عندما اعتبر أن "من واجبكم كرئيس للدولة، ان تستجيبوا" لما طالب به الشعب اللبناني؟ وهل على رئيس الجمهورية أن يلتفت وراءه ليتبين إذا كان ماكرون يتحدث إلى شخص آخر يقف خلفه، عندما طالب عون بأن "تدعو بقوة كافة القوى السياسية لأن تضع جانباً مصالحها الشخصية والطائفية والفئوية من اجل تحقيق مصلحة لبنان العليا وحدها"؟ ألا يهدف الرئيس الفرنسي من هذه العبارة إلى حث الرئيس على أن يدعو صهره رئيس "التيار الوطني الحر" وحلفاءه، إلى الكف عن طرح المطالب التوزيرية "الفئوية" باسم شعار "وحدة المعايير" للحصول على حق تسمية الوزراء المسيحيين ومن طوائف أخرى أيضاً، من أجل التحكم بقرارات الحكومة المقبلة، مثلما حصل مع الحكومة المستقيلة، فانتفت صفة الاستقلالية عن وزرائها وانعطبت مهمة الإصلاح التي جاءت لأجلها؟

إلى أي مدى على صاحب المبادرة الفرنسية أن يردد أن الغرض من حكومة المهمة تنفيذ الإصلاحات لا التناحر على التمثيل الطائفي والحصص الحزبية، والتذرع بالشراكة في بلد سيقود انهياره إلى انتفاء أي معنى للشراكة، ليحل مكانها التشرذم والفوضى وضياع ما تبقى من الدولة إلى درجة الانحلال؟

قد يصم فريق الرئاسة من موقع الإنكار الغارق فيه، أذنيه إزاء نداء ماكرون، الذي ينهمك بالدعوة إلى مؤتمر للدول المانحة الأسبوع المقبل، لجمع المساعدات الإنسانية للبلد كي يواجه اللبنانيون تداعيات إحجام الطبقة السياسية عن اتخاذ تدابير إنقاذ الاقتصاد بدءاً بتشكيل حكومة المستقلين. فريق الرئاسة مهتم بالشكوى على رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بأنه يضرب التوازن الوطني، كما جاء في رسالة باسيل إلى الرئيس الفرنسي وبتحميل المجلس النيابي مسؤولية تأخير الإصلاح، وبرمي تأخير التأليف على الرئيس المكلف كما فعل عون في لقائه مع البطريرك الماروني بشارة الراعي.

يعتقد بعض من بيدهم الحل والربط أن تغطية تأخير قيام الحكومة بالإكثار من الحديث عن الإصلاحات يشكل تغطية على عرقلة تأليف الحكومة، في وقت يجري ترحيل تأليف الحكومة ويقال في الكواليس إن ولادتها بعيدة. ويفتعلون المعارك الوهمية ويضخمون الخلافات حول شتى القضايا ويخلطون الأولويات بحيث تضيع أولوية الحكومة. فعون يتصرف على أن التحقيق الجنائي هو الأولية، ورئيس البرلمان يعطي أولوية لقانون الانتخاب على أساس لبنان دائرة واحدة، و"القوات اللبنانية" والكتائب وفرقاء آخرون يرون الأولوية في انتخابات مبكرة، و"حزب الله" يجد أولويته في مواجهة التطبيع والتهيؤ لاحتمالات عسكرية ضد إيران، فيما كل هذه الأوليات تحتاج من أجل التعاطي معها إلى حكومة قبل أي شيء.

يلاقي إلحاح البطريرك الراعي على الحريري أن يقدم تشكيلته لرئيس الجمهورية تذكير ماكرون. فالراعي استند إلى الدستور. وما اعتبره البعض انتقاداً للحريري تعتبره أوساطه موقفاً إيجابياً لتسلحه بالدستور. وقد يكون على أجندته أن يتقدم بتشكيلته للرئيس عون على رغم نصائح له بالتريث، لأن الأخير سيرفض بعض الأسماء فيها للمطالبة بغيرها.