أكرم حمدان

مجلس النواب يفتح الطريق أمام التدقيق الجنائي

28 تشرين الثاني 2020

02 : 00

بري أصرّ منذ بداية الجلسة على شمولية التدقيق (رمزي الحاج)

على قاعدة "لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم"، إنتهت الجلسة النيابية المخُصّصة لمناقشة رسالة رئيس الجمهورية بشأن التدقيق الجنائي، بقرار من المجلس وبالإجماع، وبناء لإقتراح الرئيس نبيه بري بـ"إخضاع حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المستقلّة والمجالس والمؤسسات المالية والبلديات والصناديق كافة بالتوازي للتدقيق الجنائي، من دون أي عائق أو تذرّع بالسرية المصرفية أو بخلافها". ومساء، تسلمت رئاسة الجمهورية القرار الصادر عن المجلس. وإذا كان مسار نهاية الجلسة بدا واضحاً منذ بدايتها على خلفية تمنّي بري في مستهلّها أن يسود الإجماع على شمولية التدقيق الجنائي، فإن القرار الصادر عنها يتطلّب التوقّف عنده ودراسة مفاعيله وترجمته عملياً.

تقول مصادر مجلسية إنّ لا مفاعيل إلزامية للقرار، فهو ليس قانوناً ولا توصية، لكنّه يتمتّع بمفعول معنوي لا أكثر ولا أقلّ، ويمكن متابعته لاحقاً من خلال إقتراحات القوانين التي قُدّمت في هذا المجال وأحيلت إلى اللجان المشتركة، ومن الممكن أن يُصار إلى تحديد مواعيد لإقرار هذه التشريعات في حال تطلّب الأمر ذلك. ويوضح النائب هادي حبيش لـ"نداء الوطن" أنّ "قرارات كهذه تُتّخذ أو تصدر بإجماع المجلس تؤمن التغطية للسلطة التنفيذية والجهات المعنية بها أو بتنفيذها، لأنّ إجماع المجلس على موقف معيّن يُعتبر مثابة تعديل أو إقرار لقانون ولكنّه ليس بقانون". وشبّه ما جرى "بما قام به مجلس النواب عام 2008 عندما إنتخب الرئيس ميشال سليمان رئيساً وهو كان قائداً للجيش من دون تعديل المادة 49 من الدستور".

الجلسة حملت في طياتها رسائل وشيفرات كثيرة. فبري أصرّ منذ بدايتها على شمولية التدقيق ووجّه بعض "الفلاشات" خصوصاً باتجاه بعض القضاة والإستشارات، حيث استغرب من دون تسمية، ومع الحفاظ على مبدأ الفصل والإحترام للسلطة القضائية، بعض التصرّفات والتجاوزات كالرسالة التي وصلت إلى المجلس بشأن انفجار المرفأ، وذكّر بالأصول وضرورة وجود قرار إتهامي وغيره ليقوم المجلس بدوره وتطبيق القانون. وسجّل في المحضر أنّ الجهة المخولة تفسير الدستور هي مجلس النواب وليس أي هيئة إستشارية، كردّ على ما ورد في مضمون رسالة عون إستناداً لرأي هيئة التشريع والإستشارات في تفسير المادة 65 من الدستور، واعتبر ذلك مثابة خطأ دستوري.

وشهدت الجلسة بعض التراشق الكلامي والسياسي خصوصاً على جبهة نواب "الإشتراكي" و"التيار الحر"، وجبهة "المستقبل" و"أمل". وسارع بري لضبط الإيقاع لدرجة أنّه منع وزير المالية غازي وزني من الكلام على قاعدة أنّ الجلسة فقط للنواب ولا دخل للحكومة بها.

ولم يسلم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من الهجوم والتوصيفات بأنّه برتبة موظّف وعليه تنفيذ القرارات وليس "إلهاً أو حاكماً بأمر الله"، وهناك من وصفه بعبارات مسيئة كالنائب سليم سعادة، ما دفع بري إلى دعوته إلى اللياقة في التعبير.


تحركات في محيط قصر الاونيسكو


وقائع الجلسة

إستهلّت الجلسة بتلاوة أسماء النواب المتغيّبين بعذر، ثم دقيقة صمت حداداً على روح النائبين السابقين سايد عقل ومحمود طبو، وأعطيت الكلمة الأولى لرئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد فأيّد "بحزم إجراء التدقيق المحاسبي الجنائي في مصرف لبنان، وانسحابه إلى سائر مرافق الدولة العامة، وإذا كانت السرية المصرفية هي الذريعة التي تحول دون تسليم المستندات والمعلومات المطلوبة للتدقيق المحاسبي الجنائي وفق القوانين النافذة، فنقترح إقرار إستثناء موضعي وموقّت في قانون يعالج هذا المانع الراهن".

ودعا النائب إبراهيم كنعان النواب إلى موقف إستثنائي يؤمّن للبنانيين حقّهم في معرفة مصير ودائعهم، من خلال توصية تدعو إلى الإستجابة لمضمون رسالة عون بالدعوة إلى إستكمال التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، تمهيداً لتعميمه على كل مؤسسات وإدارات الدولة.

وقال: "اليوم، وعلى قاعدة وحدة المسار والمصير، مسألة التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، والتي نريدها في كل الوزارات والإدارات والمؤسسات العامة والمختلطة، تكاد تتحول الى نفس مصير التدقيق البرلماني الذي طال الحسابات وقطوعاتها ولحجة في نفس السرية هذه المرة". ودعا إلى إنهاء "مهزلة الإبتزاز والمزايدات الإعلامية وبدء المحاسبة الجدّية".

وذكّر النائب سمير الجسر بمواقف "المستقبل" خصوصاً من عمل ديوان المحاسبة. وقال: "المصرف المركزي سلّم بعض المستندات التي لا تشملها السرية المصرفية بدون تحفظ، أما المستندات التي يعتبر أنها محكومة بالسرّية فسلّمها للدولة من خلال وزارة المال تاركاً لها أن تتحمّل مسؤولية تسليمها للتدقيق، فتوقف الوزير عن تسليمها حتى لا يتحمّل وحده هذه المسؤولية، وهذا يعني أن مصرف لبنان لم يتمنّع عن تسليم المستندات بل سلمها للدولة من خلال وزارة المال لتتحمّل هي مخالفة قانون السرية المصرفية". ورأى ان "الموقف الطبيعي والدستوري الذي يستطيعه المجلس هو إصدار تشريع يقرر التدقيق المحاسبي والجنائي في أعمال مصرف لبنان، مع تعليق العمل بقانون السرية المصرفية في ما يتعلق فقط بمصرف لبنان ولمدة محدودة". وأكد ان الأوان آن لينال المرتكبون جزاءهم من خلال تدقيق مالي ومحاسبي وجنائي دقيق وشامل".

وتحدّث النائب جورج عدوان باسم كتلة "القوات اللبنانية" وذكّر بكلامه في تشرين 2017 عن أرقام مصرف لبنان ومطالبته بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية للتدقيق في حساباته. وأكد أن "تعطيل التدقيق الجنائي والقول عفى الله عمّا مضى سيضرب أي فرصة للإصلاح، لذلك نحن مع مضمون رسالة فخامة الرئيس ونشدّ على يد الحكومة في متابعة الملفّ والتعاقد مع شركة جديدة". وطالب النائب هادي أبو الحسن، باسم "اللقاء الديموقراطي" بتدقيق كامل وشامل. وسأل: "لماذا لم نر هذه النخوة بموضوع التدقيق المالي في ملفّ الكهرباء؟". ورأى أنّ "الإصلاحات تحتاج إلى حكومة لإقرارها وملاقاة المبادرة الفرنسية الإنقاذية كي نعبر بأمان".

وأكد النائب علي حسن خليل باسم "التنمية والتحرير" ان "وزير المال لم يؤخّر عمل التدقيق ولم يتأخر بإعطاء المستندات للشركة، وان الكتلة ليست مع صدور بيان بتأييد رسالة رئيس الجمهورية لا بل المطلوب أن نصدر قانوناً واضحاً يخضع كل الإدارات للتدقيق الجنائي سواسية".

وإذ أكد النائب جميل السيد دستورية رسالة عون قال: "لا أعرف من نصحه من مستشاريه يمكن "أرسطو"، فهذه فكرة خاطئة، والمطلوب أن تقوم الحكومة بدورها والمطلوب تنفيذ القانون وليس إختراع قوانين جديدة". كما انتقد النائب فؤاد مخزومي سلامة.

ودعا النائب جهاد الصمد إلى البدء برفع الحصانات وكفّ اليد عن القضاء وتجميد المادة 80 من الدستور المتعلقة بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

ودعا النائب أسامة سعد إلى تعميم التدقيق وإنجاز قانون السلطة القضائية المستقلة، وحذّر من إخضاع أي عملية تدقيق للحسابات السياسية والحمايات الطائفية التي تحمي الفاسدين. وأكّد النائب فيصل كرامي باسم "اللقاء التشاوري" على شمولية التدقيق. وأشار النائب سليم سعادة إلى "أن التدقيق جاء لتطفيش الحاكم بينما ما حصل هو العكس وكأن المجرم يطفش المحقق".

ثم طرح إقتراح القرار وتمّ التصديق عليه بالإجماع واختتمت الجلسة، وافتتحت اخرى أقرت إقتراح قانون إعتبار شهداء إنفجار المرفأ كشهداء الجيش، ورفعت بعد تلاوة محضرها.


MISS 3