رفيق خوري

حلم الإستراتيجية الدفاعية وكابوس الأخطار الواقعية

24 آب 2019

10 : 15

حان الوقت للفصل بين الحلم والواقع في مسألة الإستراتيجية الدفاعية. فالأخطار تتعاظم على لبنان وسط انشغالنا بالألعاب والحروب الصغيرة المتعلقة بالسلطة. ونحن والمنطقة في كابوس مخاطر حرب بين أميركا وإيران يراد زج لبنان فيها ضمن "استراتيجية دفاعية" عن إيران. وليس قليل الدلالات قول الرئيس ميشال عون "إن كل مقاييس الإستراتيجية الدفاعية والتي يجب أن نضعها تغيرت". لكن جدل الإستراتيجية الدفاعية المثار حالياً، بطبائع الأمور، يعيد تذكيرنا بأن قصة الإستراتيجية طويلة، والوجه الآخر لعنوانها مختصر.

ذلك أن الإستراتيجية الدفاعية كانت بنداً في الحوار الذي بدأ العام 2006 في المجلس النيابي بمبادرة من الرئيس نبيه بري. وهي صارت البند الوحيد في الحوار الوطني الذي نظمه الرئيس ميشال سليمان في القصر الجمهوري بعد انتخابه العام 2008. كل مشارك في الحوار بمن فيهم رئيس الجمهورية قدم رؤية لإستراتيجية دفاعية. لكن التوافق لم يحصل على مشروع واحد. حتى "إعلان بعبدا" الذي تحمس له كثيرون وصار يشار إليه في وثائق الأمم المتحدة وعواصم الدول الكبرى، فإن "حزب الله" تنكّر له.

هذا بالطبع في الصورة الظاهرة في المشهد. أمّا في الصورة غير الظاهرة، فإن أركان الحوار أدركوا منذ البدء أن مشروع الإستراتيجية طبخة بحص. والإنطباع السائد أن الذهاب إلى الحوار حوله كان نوعاً من "الحيلة" لتبرير عجز مشترك: عجز مجلس الأمن وعجز السلطة اللبنانية عن تنفيذ البند المتعلق بنزع أسلحة التنظيمات والميليشيات اللبنانية والفلسطينية في القرار 1559. في البدء كانت حجة بيروت التي تفهمها مجلس الأمن أن سلاح "حزب الله"، "مسألة داخلية" نحلها بالحوار. ثم صارت الحجة أن هذا السلاح "قضية إقليمية" تتجاوز قدرتنا وحدنا.

وفي الحالين، فإن ما ينطبق على الحوار هو المثل الفرنسي القائل: "حلمان في سرير واحد". كيف؟ يقول الجنرال جورج مارشال الذي أصبح وزيراً للخارجية الأميركية ومهندس "مشروع مارشال" لإنقاذ أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية: "إذا وضعت الهدف الصحيح، فإن ملازماً يستطيع كتابة الإستراتيجية". ونحن كنا في صراع بين هدفين متناقضين: طرف أراد التخلص من سلاح "حزب الله" في إطار الإستراتيجية. وطرف آخر يريد حماية السلاح تحت عنوان الإستراتيجية. لا بل أن "حزب الله" أوحى أنه لا حاجة إلى استراتيجية جديدة، لأن هناك استراتيجية ناجحة حررت المقاومة بموجبها الجنوب، وصار عنوانها "جيش وشعب ومقاومة".

والسؤال هو: "استراتيجية دفاعية ضد اسرائيل والإرهاب فقط أم أيضاً ضد الأخطار الأخرى؟

والسؤال الأكبر: أين الإستراتيجية الوقائية من الحرب؟ وتلك هي المسألة.