رمال جوني -

حلو "أبو عباس" بـ5000 ليرة

3 كانون الأول 2020

02 : 00

عربة "أبو عباس" في سوق النبطية

لم يتقاعد أبو عباس، رغم بلوغه سن السبعين. ما زال يحمل همّ الحياة. "الحلونجي" العتيق، أبى مغادرة عربته في سوق النبطية، وفضّل البيع "بالرخص" على مجاراة الغلاء ورفع الاسعار. ما زالت حلوياته "شعبية"، فالكيلو بـ5000 ليرة، يرفض رفع الأسعار "بدنا نعيش"، فالدولة "مش سألاني عن حدا، والفقير في هذا البلد إذا ما اشتغل بيموت من الجوع".

على عربته العتيقة، رفع ورقة صغيرة تقول "كيلو الحلو بـ5000". في وقت تشهد أسعار السلع والمواد الغذائية ارتفاعاً جنونياً، هو حافظ على أسعاره، متحدياً كل الظروف، ليؤمن لقمته "بعرق الجبين"، كما يقول. وضع هامشاً صغيراً للربح، فهو خبر السوق والتجار ولعبة الأسعار طيلة سنوات مضت، لكن لم تمر عليه أزمة مماثلة. يقول: "الحياة صعبة خصوصاً في ظل غياب وسائل الدعم الصحي والإجتماعي، فكيف الحال مع الإفلاس".

في السوق التجاري لمدينة النبطية ما زالت عربة أبو عباس أو "الحلونجي العتيق" تقف جانباً منذ خمسين عاماً، وما زالت حلوياته "شعبية"، فالصفوف والنمورة والمشبك وغيرها تحضر يومياً على عربته، من دون أن يبدل سعر الكيلو. ما يهم الرجل السبعيني هو تأمين قوته، وليس جمع المال، يعيش "على قد الحال"، وقاعدة أبو عباس الماسية "منشتغل لنعيش ما بدنا نحقق ثروة... الرزقة ع الله".

قبل 50 عاماً بدأ أبو عباس مشواره مع بيع الحلو في سوق النبطية، ومنذ ذلك الحين لم يتغيب يوماً. لم يشهد أزمة إقتصادية مماثلة، "الوضع ما بطمن"، يقول وهو الذي يحلم أن يتقاعد ويحظى بضمان شيخوخة وبمعاش تقاعدي يقيه عوز الظروف، "ولكن مين سألان عن المعتر"، ويضيف: "لا احد يشعر بالفقير غير الفقير، والازمة خنقت المعترين".

يعمل ابو عباس ساعات طويلة من نهاره، لا يهمه تعب الجسد بقدر سعيه لتأمين متطلبات الحياة، وأدوية زوجته المريضة، "الحياة صعبة ومرة، على عكس طعم الحلو الذي أعدّه، الظروف قاسية".

معاناة ابو عباس تشبه معاناة كثر من أبناء المدينة، مع فارق بسيط انه قرر البوح بما يخافه ويخشاه، على عكس الباقين الذين يفضلون الصمت والجوع خلف الابواب. يعد الحلويات الشعبية القديمة، لا ينكر أن المواد الاولية ارتفع ثمنها، غير أنه قرر ان يحافظ على سعر الخمسة آلاف. يقول "كنت أبيع الكيلو بـ3000 وحين ارتفعت الاسعار أضفت ألفي ليرة فقط".

يؤكد أنه يربح قليلاً، جازماً أن الناس لبعض، ما يهابه أن تحرمه الظروف لقمة العيش، او يجبر على دخول المستشفى، حينها كيف سيكون حاله وأحواله، يدعو لله ألا يصيبه مكروه، وأن يبقى قادراً على العمل كي لا يمد يده لأحد.

بات أبو عباس رمزاً من رموز المدينة، الكل يعرفه، والكل يقصده لشراء الحلو العربي، غير أن الاوضاع تراجعت قليلاً، وانخفض الطلب على منتوجاته. يقول: "حركة الناس داخل السوق قليلة، ليس كالسابق، كانت الناس لا تهدأ، ربما بسبب "كورونا"، وربما بسبب ضيق الحال"، ويعوّل على "إنفراج الازمة"، إذ يقول: "اشتدي يا ازمي بتنفرجي".

قصة أبو عباس المكافح العتيق في بلد يعج بالبطالة والعاطلين عن العمل، تؤكد ان هناك من يصر على البقاء رغم تعاظم الازمات، وهناك من يكافح لأجل لقمته رغم صعوبة الظروف، ما يتمناه أبو عباس كما كثر هو ضمان شيخوخته، ويطلب من وزير الصحة النظر في هذا الملف، كي لا يجد كبار السن أنفسهم بلا سند في بلد ينهار كلياً.