عيسى يحيى

يبيع الكتب على رصيف رأس العين منذ 20 عاماً ولن يستسلم

7 كانون الأول 2020

02 : 01

بائع الكتب على رصيف رأس العين

يحافظ الكتاب على أهمّيته الإستثنائية بالرغم من التطوّر التكنولوجي وطفرة وسائل التواصل الإجتماعي التي تجتاح يوميات الناس وحياتهم، ويبقى خير جليسٍ في الأنام، في ظلّ الحجر المنزلي الذي يعيشه اللبنانيون نتيجة أزمة "كورونا".

على حافة رصيف نهر رأس العين في بعلبك، يفرش حبيب قاسم الفقيه، إبن الثامنة والستين عاماً، مئات الكتب الجديدة والمستعملة على الأرض، حتى أصبح الرصيف سوقاً مفتوحة للثقافة الشعبية وهواة الكتب، يقصده المئات من الباحثين والمثقّفين باختلاف طبقاتهم ووظائفهم، لشراء ما تيسّر من كتب تداعب أنظار العابرين بأسعار رخيصة مقارنةً مع أسعار المكتبات ودور النشر، وفيها من الأنواع والعناوين ما يجذب القرّاء الذين يجدون في الكتاب خصوصية لا تتوفّر في الوسائل الحديثة، من وهج الإبداع وحدائق الكلمات وأسرار الحروف.

منذ أكثر من عشرين عاماً يمتهن إبن بلدة علي النهري بيع الكتب، ويعتمد عليها في تأمين معيشته وعائلته حيث اتّخذ من جوار نهر رأس العين في بعلبك مرقداً له، يعرض فيه كتباً أدبية وسياسية ودينية وإقتصادية وروايات وغيرها، ولديه أكثر من 5000 كتاب يعرضها للبيع بأسعارٍ مقبولة ومعقولة تناسب كافة الطبقات والفئات. ومن الهرمل حتى رياق، يقصده مئات الزبائن للشراء وهم أصبحوا شبه دائمين، فالبعض منهم إقتنى المكتبات من وراء "بسطة" الفقيه التي باع منها خلال مسيرته مئات الآلاف من الكتب.

ويقول الفقيه لـ"نداء الوطن" إنّه يعمل في بيع الكتب منذ ثلاثة وعشرين عاماً، ومع بداية عمله لم تكن حركة البيع كما يجب، لانه لا يملك الخبرة الكافية والكتب المنوّعة، لكن بعد أربع سنوات أصبح متمرّساً في عمله ينوّع في الكتب واستقرّ على طريق رأس العين. يبدأ عمله في فصل الصيف منذ السابعة صباحاً حتى الثانية ظهراً، وخلال فصل الشتاء منذ الثامنة، يأتي بسيارته من بلدته قرب رياق، يبدأ بتوزيع الكتب بعدما يفرش الأرض بالنايلون ثم ينتظر خلال ارتشافه القهوة على كرسيه مجيء الزبائن.

ويضيف الفقيه بأنّ الإقبال على الكتب منذ سنوات كان أكثر، فكان يعرض ضُعفَي ما يعرضه الآن ويبقى العامل لأكثر من ساعتين يوزّع الكتب على الأرض، يقصده الناس من مختلف الطبقات والفئات بمن فيهم نواب ومحامون ورجال دين وغيرهم، وكانت بسطته مشهورةً في بعلبك الهرمل، ولكنّها كما كلّ المصالح تأثّرت بجملة أحداث، كحرب تمّوز والحرب السورية، وليس آخرها الوضع الإقتصادي الصعب الذي يعيشه اللبنانيون اليوم وأزمة الدولار وإرتفاع سعر الصرف.

وحول إختياره لهذا العمل يشير الفقيه الى أنه نشأ في دار الأيتام في بيروت على المطالعة وحبّ القراءة، ولكنه بالصدفة بدأ بهذا العمل نتيجة عرض أحد الأشخاص عليه مجموعة من الكتب بسعر"لقطة" وكان من دون عمل فقرّر خوض التجربة التي نجح فيها بعد صبر.

وكما كلّ المصالح التي أثر سعر صرف الدولار فيها، تأثّرت مصلحة الفقيه، ويقول إنّ ما يعرضه الآن من كتب هو ربع ما كان يعرضه سابقاً، فسعر الرواية الذي كان عشرة آلاف ليرة أصبح اليوم خمسين ألفاً، وفي بعلبك حيث تراجعت القدرة الشرائية للناس وبات همّهم تأمين الأكل والشرب ويفضّلون ذلك على شراء الكتب، وهم على حقّ. وفي المقابل، يضيف الفقيه، بأنّ الأسعار لديه لا تزال أفضل بكثير ممّا يُعرض في المكتبات أو على وسائل التواصل الإجتماعي كالـ"فيسبوك". ويشير الى أنه وخلال تصفّحه على الـ"فيسبوك"، وجد كتاباً معروضاً للبيع وعندما سأل عن سعره وجده بـ 50 ألف ليرة لبنانية فيما يبيعه هو بعشرة آلاف ليرة. وفي فترة الحجر المنزلي، أشار الفقيه الى أنّ عدداً من الزبائن كان يتّصل به لشراء بعض الكتب لتمضية فترة الحجر، وفي رسالة إلى الحكّام طلب من الله "أن يريح الناس منهم، فبدل أن يهتمّوا بنشر الثقافة والعلم ومساعدة الناس نهبوهم".

بدوره أشار مهيب يزبك، أحد زبائن الفقيه الدائمين، الى أنّ شراءه الشهري يعتمد على العرض الموجود من الكتب وهو بحدود الـ 50 ألف ليرة لبنانية، وهو أمر يواظب عليه بالرغم من توافر الكتاب الإلكتروني و"السوشيل ميديا"، والتربية على قراءة الكتاب أصبحت اليوم شبه غائبة، فمتعة لمس الورق والجلوس مطولاً للقراءة لا يضاهيها شيء، ويضيف بأنّه حتى الآن يجد عند الفقيه كلّ ما يطلبه من كتب تاريخية وأدبية وشعر، وفي حال العكس فهو يؤمّنه له خلال فترة وجيزة.


MISS 3