نوال نصر

طبيعة ولقمة طيّبة وبيت جبلي واستثمارٌ مجدٍ

أهلاً وسهلاً بكم في ربوع "بيوت الضيافة"!

27 آب 2019

07 : 30

حين ننظر الى الطبيعة نفهم الأشياء أفضل! هي نصيحة "ألبرت آينشتاين" في أن نغوص بعمقٍ في الطبيعة، في كل ما هو طبيعي، حتى ونحن نسوح في أرجاء الأرض، وفي أن نختار اللقمة البلدية والهواء النقي ومياه النبع والإبريق و"كاس الشاي" والبيت الجبلي...هناك، في جبال لبنان وعلى سواحله، بيوتٌ تُعيدُنا الى الطبيعة باسم الضيافة اللبنانية المميزة. هي ضيافةٌ لبنانية وسياحة لبنانية واستثمار مجدٍ لمن يبحث عن استثمار.



مللتم من أوتيلات النجوم المتعددة التقليدية التي تأسركم بين جدران غرفها الأربعة؟

تبحثون عن أماكن تختبرون فيها، ومن خلالها، الحياة الأصيلة والناس الطيبين وجلسات الفطور القروية والعادات والتقاليد اللبنانية؟

تريدون أن تسوحوا في لبنان، في كلِ لبنان، على طبيعتكم وتعودوا أدراجكم، الى دياركم، بوجوه وردية اللون وبذكريات تدوم كل العمر؟

نسمع في لبنان عن بيوت للضيافة، تستقبل الزوار بابتسامات حقيقية وبعبارات عفوية جداً، حقيقية وصادقة، أشبه بقلوب أصحابها. فماذا عن هذه البيوت التي تنتشر في البلدات النائية غالباً لاستقبال السياح والوافدين لقاء كلفة متدنية جداً وبفرح كبير جداً جداً؟

مئة "كنز" وأكثر...

أطلقت فكرة "بيوت الضيافة" في لبنان مؤسسة "أنيرا"، ودعمتها وزارة السياحة، في سبيل دعم السياحة الريفية والإقامة البديلة. وبات في إمكان من يريد السياحة في لبنان أن يختار بين أكثر من مئة مسكن ريفي في كل حنايا البلد الذي ذاع صيت جماله في كل الدنيا وغنّى له المطرب الراحل وديع الصافي بصوته الجبلي: لبنان يا قطعة سما إسمك على شفافي صلا... فماذا في التفاصيل؟

هناك، في أنيرا، يتحدثون عن "كنوز مخفية" للسائح وللسياحة في آن عبر السكن السياحي في "بيوت الضيافة".

ماذا يقصدون بهذا؟ وعن أي شكل من أشكال الكنوز يتكلمون؟

يأتي السائح الى لبنان، الى فنادق بيروت، ويعود أدراجه الى بلادِهِ من دون أن يرى مناطق كثيرة في لبنان. نحن هدفنا مساعدته على اكتشاف ثقافة لبنان وعاداته وتقاليده والأشغال اليدوية والحرفية فيه. هدفنا أن يتعرف على لبنان، على تفاصيل التفاصيل في لبنان، وسيعشقه حتماً. ويتحقق هذا عبر إتاحة الفرصة له، عبر موقع "بيوت الضيافة" الإلكتروني، الى اختيار مكان الإقامة الذي يعجبه بعد أن يرى صوراً عنه ويتعرف على أصحابه وعلى المعالم الأثرية والطبيعية المميزة القريبة منه. الخيار إذاً بات أسهل على السائح من قبل والسؤال: ماذا ينتظره في الواقع؟

تقف الست نزهة في صدر الباحة الخارجية لأحد بيوت الضيافة في منطقة حمانا، شعرها مجدول الى الوراء، مبتسمة، مهللة، مطلقة الزغاريد لسائح ٍ وصل وعائلته للتوّ. هي صاحبة البيت الذي تحوّل منذ أعوام الى نزلٍ من نوع خاص جداً لا يُشبه الفنادق المتعارف عليها. نسألها عنه، عن بيتها الجميل، فتجيب: هو منزلي ،ومنزلي هو منزلكم فأهلاً وسهلاً بكم وبكل الوافدين. إبريق الفخّاريتنقل بين الزائرين فيشربون حتى الإرتواء. ورجل يجلس القرفصاء يحيك على النول باحتراف كبير.

بالأبيض والأسود

مشهدُ بيت الست نزهة يشبه بيوت ضيافة كثيرة تنتشر في أرجاء جبال لبنان: "بيت الدانا"، "بيت الأشقر"، "بيت عيتنيت"، "أوبرج بيتي"، "بيت الهنا"، "بيت الكروم"، "بيت عقل". البيوت، بمعظمها، مفروشة بكنباتٍ تقليدية في البيوت اللبنانية الجبلية. شاشات تلفزة صغيرة "بالأسود والأبيض" لا تزال تتوزع في بعض زوايا البيوت. الخشب يطغى. الفخار موجود. القناطر. الماعز ترعى في الجوار. الحليب الطازج يقدم عند الفطور. البيض والجبنة واللبنة والبابا غنوج والعسل والقريشة والزيتون الأسود والمناقيش على الصاج والكشك البلدي والخيار يقطف طازجاً. الفطور اللبناني التقليدي سيّدُ موائد بيوت الضيافة. والكل، كل السياح- الضيوف، يتشاركون في أعمال التحضير. والموسيقى وصوت فيروز يتسللان بهدوء الى الآذان قبل أن يعبرا الى القلوب ويستريحان محركين هورمون الفرح في النفوس. الأجواء في بيوت الضيافة رائعة رائعة.

في الغرب تنتشر بيوت الضيافة أما في عالمنا العربي فالمفهوم ما زال يتبلور وهو ينجح في لبنان لأن البلد على اختلاف فصوله وقرب ساحله من جبله وغناه بالثروات الطبيعية التي بات سائح اليوم ينشدها يجمع كل ما قد يحتاج إليه الباحث من رفاهية السياحة لكن بطبيعتها التقليدية. أسعار المكوث ليلة واحدة في بيت للضيافة مع فطور لا يتعدى الثلاثين دولاراً أميركياً. والبيوت بمعظمها تنتشر في مناطق مزدحمة بالمعالم التي تستحق الإكتشاف. فهل نفهم من كل هذا أن بيوت الضيافة باتت خيارات أفضل من الفنادق التقليدية؟

لعلّ المقارنة بين هذه وتلك ليست مجدية لأنها لا تشبه أصلاً بعضها، فالفنادق الرائعة التي تنتشر على طول الساحل اللبناني، وتتركز في بيروت، وتتمدد الى بعض المناطق الجبلية الكبرى تظل مقصد من يريد أن يسوح تقليدياً متنعماً بخيرات الطبيعة بنفسِهِ، بقطاف التفاح مثلاً وقطاف الطماطم والكوسى والباذنجان، من بهو "بيت الضيافة" الذي يمكث فيه، ثم ركوب الخيل والتوجه الى جوار النهر فهناك قارب مطاطي بانتظاره وهل أمتع من تمضية ساعات بين المياه والسماء؟ من يبحث عن كل هذا عليه أن يسأل عن "بيوت الضيافة" لا عن ضيافة فنادق النجوم الخمس.

هل هذا كل شيء؟ هل هذه العلاقة الحميمة بين الضيف والموقع هي كل شيء، كل كل شيء؟

بات لبيوت الضيافة في لبنان، بدءاً من العام 2015، جمعية نالت العلم والخبر من وزارة الداخلية اللبنانية وهدفها تطوير مفهوم هذا القطاع الذي يربط لبنان بالسياح العرب والأجانب والتأكد من مطابقة كل البيوت لمواصفات الجودة والنظافة والمهنية العالية. وأعضاء الجمعية هم من أصحاب البيوت الذين يقومون بالتدريب والإشراف ووضع النقاط والتنسيق مع وزارتي السياحة والمالية.

أصول الضيافة

سؤالٌ آخر: هل يمكن لأيّ كان يملك منزلاً جبلياً في منطقة لبنانية نائية أن يقول: حوّلت بيتي الى بيت للضيافة؟ الجواب حاسم: لا، بيت الضيافة يفترض أن يكون الى جانب "نقطة جذب" يعني يفترض أن يخرج السائح من البيت الى الطبيعة الغناء حيث هناك، بالقرب منه، واحات سياحية أو مراكز تزلج أو نهر أو برك فيها بط وإوز أو منطقة أثرية أو غابات... تأمين الرفاهية والتسلية وتوطيد العلاقة الحميمة بين المكان والإنسان هو الهم الأول والرسالة الأولى والهدف.

ماذا عن جنسيات السياح القادمين الى لبنان الذين يختارون "بيوت الضيافة"؟

الأجانب هم أكثر من يحبون هذا النوع من السياحة الريفية أما الجاليات العربية والخليجية فبدأت تهتم بها، في الآونة الأخيرة، أكثر. فالنظريات القديمة بأن السائح العربي يكتفي في أوقات السفر بزيارة الأماكن التقليدية والمكوث في فنادق الدرجة الأولى تتغير. السائح العربي والخليجي، السعودي بالتحديد، بات يهتم أكثر في اكتشاف المكان والتوغل في التفاصيل التاريخية والأثرية وتمتين العلاقة مع الطبيعة. والحاجة بالتالي الى هذه البيوت باتت ملحة أكثر.

يُستقبل السياح في بيوت الضيافة بحفاوة لبنانية بالغة وباللغات الثلاث: العربية والإنكليزية والفرنسية. ويغادر الأجانب لبنان غالباً وهم قد حفظوا مرادفات عربية كثيرة مثل: صباح الخير، مساء الخير، وطعام لذيذ لذيذ... فلا أحد يتناول طبقاً من إعداد سيدات بيوت الضيافة إلا ويطلب المزيد. اللحوم النيئة الطازجة موجودة دائماً على الغداء. ولعلّ أطباق البازلاء والفاصولياء والمجدرة و"شيخ المحشي" أكثر ما يطلبه الضيوف.

وهل هناك أحلى من التنزه ليلاً في الطبيعة، بين أشجار الفاكهة والحمضيات والكرمة والسنديان والحور، والى جانب شتول الورد الملون والزنبق والفل والغاردينيا. هناك، حول بيوت الضيافة، تغور الشمس في البحر ثم يغوص القمر خلف انبلاج الضوء من دون أن يشعر السائح أن الوقت قد مرّ.

هي نوستالجيا العودة الى الطبيعة والجذور واختبار رائحة الأرض والإصغاء الى قصص السكان الأصيلين ومدّ أواصر المعرفة واكتشاف الآخر وتمتين العلاقة بين الشعوب والعيش بضعة أيام بعيداً عن ضجيج حياة هذا الزمان. وهي، من ناحية أخرى، إستراتيجية فتح مجالات التشبث بالمكان الى اللبنانيين الذين يرغبون في البقاء في قراهم لكنهم يفتقدون الى سبل العمل. وها هم، عبر بيوت الضيافة، يتشبثون في قراهم ويفتحون أذرعهم ترحيباً بسكان كل الأرض الذين يفكرون بالسياحة في لبنان كما لم يسوحوا فيه من قبل.


MISS 3