جاد حداد

The Wife... قصة مؤثّرة عن معاناة زوجة!

في فيلم The Wife (الزوجة)، تؤدي الممثلة غلين كلوز دور امرأة محطّمة فتعبّر عن حياة القمع والبغض التي عاشتها بابتسامة ساخرة أو نظرة ذابلة. هي تفكر بكل شيء، فتعرف مكان نظارات زوجها وتوقيت أدويته ووجبات طعامه. بعد أكثر من ثلاثين سنة معاً، تتوقع هذه المرأة حاجات زوجها تلقائياً وتلبّيها قبل أن يطلب منها شيئاً. يحصل ذلك طبعاً على حساب حاجاتها الخاصة.

ثمة كيمياء قوية بين كلوز وشريكها في البطولة جوناثان برايس. تبقى شخصية برايس مستقرة من حيث النرجسية وفرط الاتكال على زوجته، بينما تخوض الشخصية التي تجسّدها كلوز تحولات عاصفة، فتنتقل من الزوجة التي لا تجيد تقدير نفسها إلى شخصية شرسة. لن تُعرَض المشاهد المؤثرة التي تُعرَف بها كلوز قبل مرور فترة لكنها استثنائية فعلاً وتستحق الانتظار. حتى أن مشاهدة مراحل تطور شخصيتها تدريجاً تشكّل متعة مختلفة بمعنى الكلمة.

يستعمل المخرج السويدي بيورن رونج في هذا الفيلم مقاربة بسيطة وعملية. ربما أراد بذلك أن يسمح للممثلَين المخضرمَين بالتألق وتقديم أفضل ما لديهما، لكن كان العمل ليستفيد حتماً من بعض الحِيَل المبتكرة والمؤثرات الفنية. السيناريو من كتابة جاين أندرسون، وهو مقتبس من رواية ميغ ووليتزر. يتنقل رونج في هذه القصة بين الماضي والحاضر لتفسير خلفية العلاقة التي نشاهدها في بداية الفيلم.





تدور الأحداث في العام 1992 في ولاية "كونيتيكت" الساحلية الغنية. يستيقظ "جوزيف كاسلمان" (جوناثان برايس) في منتصف إحدى الليالي ويعجز عن معاودة النوم لأنه متوتر ويترقب اتصالاً من ستوكهولم. وحين يرنّ الهاتف أخيراً ويعرف أنه الفائز بجائزة نوبل في الأدب خلال تلك السنة، يطلب من زوجته "جوان" (غلين كلوز) تلقائياً أن تنضم إلى المكالمة الهاتفية عبر جهاز آخر لمشاركته هذا الخبر السار. لا تتوانى زوجته عن دعمه في هذه المناسبة وسرعان ما نكتشف تفاصيل درامية كثيرة عن أحداث سابقة تثبت أنها معتادة على دعمه في جميع الظروف.

ثم يكشف احتفال في منزل الثنائي الشاسع تفاصيل إضافية عن علاقتهما الزوجية. ينشغل "جو" بضيوفه المرموقين والمتملقين فيما تحمل "جوان" صينية مليئة بأكواب الشمبانيا لتقديمها إلى الضيوف. يلاحظ ابنهما الناضج "ديفيد" (ماكس أيرونز) هذا الاختلاف في المواقف. هو كاتب طموح مثل أبيه ويستوحي كتاباته من سنوات المرارة التي عاشها في علاقته مع والده اللامع.

يحاول كريستيان سلايتر، الذي يرفع مستوى التوتر في هذا المشهد بدور كاتب السِيَر الطموح والماكر، التدخّل في هذا الموقف فيقول: "لا أظن أن الناس يعطون قيمة كافية لدور الزوجة في حياتهم". لكن ترفض "جوان" الخجولة المطالبة بتقدير مماثل، فهي امرأة متزنة وأنيقة وتجيد التصرف في جميع المواقف التي تواجهها. حتى أنها لا تريد أن يشكرها أعظم كاتب أميركي في جيله خلال الحفل العالمي.

هي تخبر "جو" المنشغل بتحضير الخطاب الذي سيلقيه عند تلقي جائزته: "لا أريد أن يعتبرني الناس زوجة عاشت معاناة طويلة". وحين يصل الثنائي إلى ستوكهولم، لا تريد الزوجة أيضاً المشاركة في رحلات التسوّق وجلسات الاعتناء بجمالها مع جميع زوجات الفائزين الآخرين بجوائز نوبل. تقدّم هذه التفاعلات الغريبة بين أفضل الناس في مجالاتهم لحظات فكاهية ممتعة في ظل أجواء استثنائية ونادرة، وتستمر هذه الأجواء عبر عبارات التملق المفرطة التي يستعملها الناس في تلك الأوساط. في الوقت نفسه، تسود مشاعر غليان كامنة داخل "جوان" ويتصاعد انزعاجها تدريجاً.

سنشاهد جوانب من شخصيتها المستقلة الكامنة في لقطات الماضي حين كانت طالبة في جامعة "سميث" في العام 1958. كانت "جوان" طالبة لامعة وينتظرها مستقبل واعد (تؤدي آني ستارك دورها في عمر الشباب وتُكرر بشكلٍ مقنع حركات كلوز وإيقاع كلامها)، وكان "جو" (هاري لويد في شبابه) أستاذها الجذاب (تنتظره زوجة وطفلة في المنزل!). لكن بدت "جوان" في تلك المرحلة أيضاً شابة هادئة، فراحت تصغي إلى الآخرين بصمت وتستوعب كل ما تسمعه وتُحلله داخلياً بطرقٍ مؤثرة.

تزداد الأحداث تشويقاً في فيلم The Wife حين تقرر "جوان" في نهاية المطاف التعبير عن كل ما عاشته وفعلته وتكشف عن أسرار احتفظت بها لوقتٍ طويل. وحين تفعل ذلك، تسمح لنفسها أخيراً باكتشاف حقيقتها وتوحي النظرة على وجه كلوز مع اقتراب النهاية بأنها باتت مستعدة لفعل ما تريده والانتقام لما عاشته بشروطها الخاصة. إنها لحظة انتصار لا يمكن وصفها!