بشارة شربل

لن نيأس... وستحاسَبون

31 كانون الأول 2020

02 : 00

هو عام جائحة كورونا في العالم، لكنه عام الجائحات عندنا. من الوباء تتعلم الدول صغيرُها وكبيرُها في مشارق الكرة الارضية ومغاربها الدروس وترسم الخطط لتنير مستقبلاً أكثر أماناً، بعد اعادة النظر في دور الدولة وأولوياتها والتزاماتها الاجتماعية. أما نحن، فنصيبُنا الغرق والتخبط وكأن حصتَنا من الكون العيشُ في ثقبه الأسود.

تذهب السَّنة لا أسف عليها، لكننا لن نيأس، ليس لأننا أبناء الرجاء فحسب، بل لأننا ايضاً نعرف مصدر العلة وسبب الانهيار والمرتكبين اشخاصاً وأطرافاً ومحاور. لن نيأس، لأننا راسخون في هذا الوطن وعلَّمنا تاريخ لبنان ان كثيرين مثل الذين يستولون اليوم على مصير اللبنانيين عَبَروا ولم يبق من آثارهم إلا ما دلَّ الى عارهم.

ينتهي العام زمنياً. وإذا كانت ورقة السنة الراحلة تطير من كتاب الزمن مع استقبال العام الجديد، فإن دفتر حسابنا سيبقى مفتوحاً وبمفعول رجعي مع كل الذين يتحملون مسؤولية إفقار اللبنانيين وتدمير الدولة وتعريض الكيان للأخطار، متمسكين بالسلطة غير آبهين بواجب كشف الحساب وإتاحة المجال للاصلاح والإنقاذ.

نطوي روزنامة الـ 2020 من غير أن نقفل أي ملف، ذلك ان جرائم أهل السلطة متمادية ولا تسقط بمرور الزمن. بعضها ضبط بالجرم المشهود، وبعضها الآخر بالأدلة الدامغة والقرائن، وكلها بقناعة اللبنانيين بأن المنظومة التي جثمت على صدورهم عقوداً طويلة لم توفر ارتكاباً، وبأن وقاحتها واستماتتها في المراكز وشراستها في وجه قوى التغيير ناجمة عن شعورها بوصول صلاحيتها الى خواتيمها، وليست سوى مؤشرات نَزْع مهما طال قبل لفظ الأنفاس.

لا مجال للاستسلام لأن مصير لبنان واللبنانيين متعلق بهذه المواجهة الصعبة والمريرة مع فئة حاكمة شاهدت الودائع تطير بسبب الجشع والتواطؤ بين المصارف و"الحاكم" والسياسيين، وترى بأم العين الهبوط المريع لمستوى معيشة اللبنانيين واندثار قيمة الليرة وتحول أكثرية اللبنانيين فقراء يخشون رفع الدعم ويتطلعون الى المحسنين.

ما حلَّ بالناس ليس صدفة بالتأكيد أو قدراً لا مفر منه. إنه صنيعة المنظومة الفاسدة. كلنا نعرفهم أفراداً مستجدين على الإثراء غير المشروع في "الجمهورية الثانية"، أم ورثة سارقين نجوا من "التطهير" في "الجمهورية الأولى" واحتموا بالطائفية والمحسوبية ثم بالحرب الأهلية. والجردة تطول.

حبذا لو تكون الـ2021 رقماً سحرياً، فنشهد فيها الخروج من عنق الزجاجة، ليس بتشكيل حكومة تحولت تفصيلاً تافهاً رغم ضرورتها، بل بإعادة تشكيل السلطات جميعاً عبر انتخابات تعيد الشرعية الى صناديق الاقتراع والسراي وبعبدا الى من يستحقهما ويكون على قدر المهمات والملمات. وحبذا لو يتمكن القضاء من الوصول الى الحقيقة في جريمة المرفأ التي طبعت العام المنصرم بالدمار والدماء والتي بانجلائها وتحقيق العدالة يمكن ان نؤسس لدولة قانون تنهي زمن الجريمة المنظمة وتنجينا من الولاءات الطائفية والخارجية.

مؤسف انه فيما يطالب اللبنانيون بالحد الأدنى من مقومات الحياة لا يزال أهل السلطة منهمكين في تناتش جثة البلاد. يتغير العالم العربي من حولنا وترسم خرائط وتحالفات فيما نبقى رهينة وساحة على خط النار او في ثلاجة الانتظار.

لن نيأس، لأننا نعرف طريق الحق والخلاص. وهي بلا تعرجات: دولة لا شريك لها في السلاح والقرار، أهلها يحترمون دستورها، وحيادُها ضامن لوحدتها وهويتها في مواجهة المتغيرات.

هو ليس مجرد حلم أو برنامجاً لعام. إنّه مشروع نضال.


MISS 3