طوني فرنسيس

نديم عبد الصمد... "لورد سياسيّ يرحل"

29 آب 2019

01 : 17

برحيل نديم عبد الصمد تفقد الحياة السياسية اللبنانية أحد رموز تلاوينها المتنوعة. فالرجل المولود في عماطور (الشوف) العام 1929، أُتيح له أن يكون حاضراً في معركة اليسار اللبناني منذ منتصف القرن الماضي، ليصبح منذ نهاية الستينات أحد قياديي الحركة الوطنية اللبنانية برئاسة كمال جنبلاط ومنسقاً لبنانياً عربياً للعلاقات بين الحركة الوطنية والاحزاب القومية واليسارية العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية من موقعه كأمين عام لجبهة المشاركة العربية في الثورة الفلسطينية.

طوال سنوات كان عبد الصمد مسؤولاً بارزاً في "الحزب الشيوعي اللبناني"، عضواً في لجنته المركزية ومكتبه السياسي ونائباً للأمين العام، فهو عبر مشاركته في الاعداد للمؤتمر الثاني للحزب (1968) إلى جانب جورج حاوي وكريم مروه وجورج بطل وغسان الرفاعي، والذي يعتبره الشيوعيون محطة إعادة تأسيس لحزبهم، بات عموداً من أعمدة القيادة الحزبية اليسارية اللبنانية.

وأتاحت له طبيعة مهامه كمسؤول للعلاقات الخارجية في حزبه، فرصاً كبرى لتوطيد علاقات وفتح أبواب جديدة لها، بين اليسار العربي وبين الدول الاشتراكية واليسار في العالم في حينه، وفي السياق يشهد له رفاقه بدور بارز في تقديم الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات إلى القيادة السوفياتية في خطوة مهدت للتطور اللاحق في العلاقات الوطيدة بينهما.

كان نديم عبد الصمد، الذي يعرفه اصدقاؤه باسم "ابو بشار" حاضراً في الحياة السياسية العربية، بصمت وبفعالية، في سوريا كان له احترامه كما في العراق، وفي اليمن لعب ادواراً في الشمال والجنوب وبين الاقليمين، وعلاقاته كانت متينة في دول المغرب العربي خصوصاً الجزائر، وهو على مدى سنوات شغل ما يوازي منصب وزير خارجية حزبه وحركته الوطنية، مقيماً صداقات لا تقدر بثمن مع شخصيات بارزة في شتى انحاء العالم.

لم تهزه الضربات التي أصابت جيله، واكبرها انهيار الاتحاد السوفياتي والتجربة الاشتراكية، بل أصبح اكثر تمسكاً بقيمه وارتباطاً بوطنه. بات أكثر خوفاً على وطنه، خصوصاً بعد استفحال التدخل السوري، وانتهاء باغتيال رفيق الحريري. اختار أن يضع تجربته في خدمة محاولة جديدة تطوّر الدور اليساري في بناء الاستقلال وحماية السيادة. قَبِل ان يكون رئيساً لـ "حركة اليسار الديموقراطي" الوليدة إلى جانب الياس عطالله وسمير قصير والياس خوري وغيرهم. إلا انه لم يقف في الواجهة يوماً. استمر أباً روحياً يكتنز تراثاً لا يُقدر بثمن، رجلاً هادئاً صبوراً ومثقفاً "لورداً" ممن تبقى من لوردات اليسار اللبناني.

*نديم عبد الصمد نعاه وليد جنبلاط وحركة اليسار الديموقراطي والحزب الشيوعي اللبناني وأهالي عماطور. يشيّع في الواحدة ظهر غد في عماطور. التعازي في عماطور والثلثاء المقبل في دار الطائفة الدرزية في بيروت.


MISS 3