محمد نمر

بين "حكم المصرف"... وصرف الحكم لـ"حزب الله"

9 كانون الثاني 2021

02 : 10

لا يختلف اثنان في جمهورية الفوضى، على أن القطاع المصرفي اللبناني، مصارف ومصرف لبنان، شريك في الأزمة التي يعيشها هذا البلد التعيس. وقد يكون الدفاع عن المصارف في هذه المرحلة أشبه بـ"الخطيئة"، خصوصاً مع نجاح الهجمة المبرمجة ضد هذا القطاع التي بدأت قبل ثورة "17 تشرين" مع انطلاق تحركات الممانعين أمام مصرف لبنان واستكملت بمحاولة "شيطنة" الحاكم رياض سلامة لتحويله إلى المسؤول الأول عما أصاب لبنان، وبرمي الزيت على نار أزمة احتجاز ودائع اللبنانيين، إلى حد طرح عنوان "اسقاط حكم المصرف".

في الشكل، يتحمل القطاع المصرفي جزءاً من المسؤولية جرّاء الضياع الذي وقع فيه، وفي المضمون إنه يتأثر بما يعيشه لبنان من فساد الطبقة السياسية وفراغ وغياب للدولة وعزلته عن المجتمعين العربي والدولي، فضلاً عن أنه يتعرض لضربات متتالية من غرف تغيير هوية لبنان الاقتصادية والمالية، ليكون مشابهاً لدول الممانعة التي ترزح تحت خطوط الفقر، منتظرة فتات المساعدات من المجتمع الدولي. وليس الحديث عن مؤسسة "القرض الحسن" في الفترة الأخيرة إلا الدليل على أن المستفيد الأول من ضرب قطاعات الدولة ومنها المصارف هو "حزب الله".

هي قاعدة لا تتجزأ وتتبدل: عندما تسقط الدولة تقوى الميليشيا، التي تمثّل دويلة موازية في قطاعاتها، حيث لـ"حزب الله" ترسانته العسكرية التي تضعّف السلاح الشرعي، ومنظومته التربوية بمناهج تناسب أيديولوجيا الحزب التي تتجاوز الحدود، أسطول صحي خاص شاهد اللبنانيون عناصره في الضاحية الجنوبية مع بداية انتشار "كورونا"، واخيراً اقتصاده الموازي القائم على التمويل المستمر من إيران وعلى المؤسسات المشابهة لـ"القرض الحسن"، والأخير ازداد انتعاشاً في الفترة الأخيرة مع ارتفاع حجم الضغط على القطاع المصرفي وخسارته الثقة.

أما في النظرة الاستراتيجية، فيمكن وضع لبنان على قائمة خسائر كبرى عزلته عن العالم، فلا حدود برية يلجأ إليها (اسرائيل جنوباً والنظام السوري شرقاً)، ومرفاً في العناية الفائقة بعد الانفجار الذي طاله، وسياحة معدومة جراء سياسات "حزب الله" وحلفائه (سجّل دخول 8 مليارات دولار في العام 2008 من هذا القطاع)، وبقي المطار الواقع جغرافياً ضمن مناطق "حزب الله"، ولا تترك اسرائيل فرصة إلا وتشير إلى هذه البقعة على أنها تتضمن معامل صواريخ لـ"حزب الله". وأخيراً خطة خطيرة لضرب القطاع المصرفي اللبناني، الذي كان يدخل في العام نفسه ايضاً، 8 مليارات دولار من التحويلات الخارجية، وكان لبنان منذ سنوات يحتل مرتبات أولى في قائمة مصارف العالم، فضلاً عن أنه كان مركزاً مصرفياً لجذب الأموال في المنطقة.

وفي المضمون ايضاً، أسئلة: هل المصارف مسؤولة عن فساد قطاع الكهرباء الذي كلّف لبنان نصف الدين العام؟ هل هي مسؤولة عن عزل لبنان وانعدام السياحة؟ أو عن التهريب عبر المعابر غير الشرعية؟ أو عن المياومين في الادارات العامة والتوظيف العشوائي؟ هل هي مسؤولة عن الفراغ المتواصل عند كل محطة في سدة رئاسة الجمهورية أو الحكومة؟ او الفساد في الوزارات والمجالس والهيئات الرقابية؟

النتيجة ان المخطط التشويهي للبنان، سمح اليوم بتعزيز قدرات نظام الصيرفة الموازي، والسؤال الاساسي في لعبة السوق السوداء: من يحرّك تطبيقات اللعب بسعر صرف الدولار؟ هنا لا بد من وضع مفارقة بين "حُكم المصرف".. و"صرف الحكم لحزب الله"!


MISS 3