الابتسامة... تخفّف الألم عند تلقي الإبر؟

02 : 00

تذكر دراسة جديدة أن الابتسامة وتكشيرة الوجه معاً قد تخففان شعور الألم عند تلقي حقنة مثل اللقاح. كذلك، تُضعِف الابتسامة الصادقة الاستجابات الفيزيولوجية التي يطلقها الضغط النفسي.

حين يشعر البشر بألم حاد، يميلون إلى إغلاق عيونهم بإحكام ورفع خدودهم والشدّ على أسنانهم. يستعمل بعض الحيوانات تعابير وجه مشابهة ويسمّيها الخبراء "استجابة تكشيرة الوجه".

لا أحد يعرف بعد السبب الذي يفسّر القواسم المشتركة بين هذين التعبيرَين المختلفَين بالكامل. لذا قرر باحثون من كلية "إيرفين" لعلم البيئة في جامعة كاليفورنيا اختبار المنافع المحتملة لحركات الوجه هذه في المواقف العصيبة والمؤلمة.

أراد العلماء تحديداً أن يفهموا طريقة تأثير تعابير وجه المشاركين عند تلقيهم أي نوع من الحِقَن على تجربة الألم ومستويات الضغط النفسي المرتبطة بها. نُشرت النتائج التي توصلوا إليها في مجلة "العاطفة".

يهتم العلماء منذ سنوات بفهم أثر تعابير الوجه على شعور الألم والمزاج عموماً. وفق "فرضية تفاعلات الوجه" مثلاً، قد يقوي تشغيل عضلات الوجه التجارب العاطفية أو يُضعفها. قد تتأثر العواطف بهذا الشكل حتى لو تلاعب الباحثون بعضلات وجه المشاركين وحوّلوها إلى تعابير محددة.

تفاصيل الدراسة

لاستكشاف الروابط المحتملة بين تعابير الوجه وشعور الألم، استعان الباحثون بـ231 مشاركاً. تلقى جميع المشاركين حقنة بالمحلول الملحي عبر إبرة مشابهة لتلك المستعملة لإعطاء لقاح الإنفلونزا.

قسّم الباحثون المشاركين إلى أربع مجموعات. قبل تلقي الحقنة وخلالها، تلاعب العلماء بوجوه المشاركين كي تظهر تعابير مختلفة عليها عبر استعمال عيدان يمسكونها بالفم:

• ابتسامة عريضة: إنها ابتسامة صادقة حيث ترتفع زوايا الفم وتظهر تجاعيد حول العينين.

• ابتسامة خفيفة.

• تكشيرة الوجه.

• تعبير حيادي.

قبل تلقي الحقنة، أتمّ المشاركون استبياناً حول مستوى توترهم من الإبر. حافظ المشاركون على تعابير وجههم فيما أعطاهم الطبيب حقنة بالمحلول الملحي. وبعدما وضع الطبيب ضمادة في مكان الإبرة، نزع المشاركون العيدان من أفواههم وشاركوا في استبيان آخر حول درجة ألمهم خلال تلك التجربة. بعد ست دقائق من الراحة، كشف المشاركون مجدداً عن مستويات ألمهم. سألهم الباحثون أيضاً إلى أي حد كانت التجربة عصيبة بالنسبة إليهم.

قبل تلقي الحقنة وخلالها وبعدها، خضع المشاركون لتخطيط القلب الكهربائي. قاس الباحثون أيضاً التغيرات في مستوى المقاومة الكهربائية في بشرة المشاركين أو النشاط الكهربائي للجلد. يقيس هذا المعيار نسبة الإثارة النفسية أو الفيزيولوجية.

الابتسامة مفيدة؟

يظن الباحثون أن أثر تعابير الوجه المفتعلة كان الأقوى بعد تلقي الحقنة مباشرةً. تراجع مستوى الألم بسبب الإبرة بنسبة 40% تقريباً في مجموعتَي الابتسامة العريضة وتكشيرة الوجه مقارنةً بالمجموعة الحيادية.

وعندما حلل الباحثون البيانات المرتبطة بمعدل ضربات القلب، رصدوا تراجعاً في هذا المعدل في مجموعة الابتسامة العريضة مقارنةً بالمجموعة الحيادية. ولم تبرز أي اختلافات ملحوظة بين المجموعات الأخرى.

في ما يخص النشاط الكهربائي للجلد، رصد الباحثون منافع هامشية في مجموعة الابتسامة العريضة واستنتجوا في النهاية ما يلي: "تشير هذه النتائج مُجتمعةً إلى احتمال تحسّن تجارب الألم المرتبطة باستعمال الإبر بفضل الابتسامة وتكشيرة الوجه معاً. لكن قد تكون الابتسامة العريضة أفضل خيار لكبح الاستجابات الفيزيولوجية التي يطلقها الضغط النفسي في الجسم مقارنةً بتعابير الوجه الأخرى".

دراسة محدودة

تُعتبر هذه الدراسة محدودة على بعض المستويات. في المقام الأول، اقتصرت مجموعة الابتسامة العريضة على 66 مشاركاً فقط، وهي الأكبر بين المجموعات التجريبية الأربع.

كذلك كان 83.5% من المشاركين من أصحاب البشرة البيضاء، ما يعني أن النتائج قد لا تنطبق على الجماعات الأخرى. يذكر الباحثون أن المشاركين كانوا ينتمون إلى فئة الشباب الأصحاء أيضاً. تجدر الإشارة إلى أن وضع العيدان في الفم لافتعال تعابير معينة ليس سلوكاً عفوياً ولا يعكس تعابير الوجه الطبيعية بطريقة متكاملة. ويعترف العلماء أصلاً بأن تعابير الوجه في هذه الدراسة لم تكن توازي قوة التجارب العاطفية الحقيقية.

مع ذلك، تعبّر المشرفة الرئيسة على الدراسة، سارة بريسمان، عن تفاؤلها بهذه النتائج قائلة: "تكشف دراستنا طريقة بسيطة ومجانية وبارزة من الناحية العيادية لتحسين تجربة تلقي الإبر. ونظراً إلى وفرة المواقف المُسببة للقلق والألم في الممارسات الطبية، نتمنى أن نحدد الاستراتيجيات التي تسمح بتخفيف الألم وتحسين تجارب المرضى من خلال فهم طريقة تأثير الابتســـامة وتكشيــرة الوجه في هذه المواقف".