بعد 50 عاماً على وفاتها... أسلوب شانيل لم يتغيّر

02 : 00

يشكّل الفستان الأسود والفم المرسوم بأحمر الشفاه رمزاً لأناقة لا تفنى، فيما لا يزال "الرقم 5" سيّد العطور، بعد 50 عاماً على وفاة كوكو شانيل التي لا تزال رؤيتها المتمثلة في الأناقة المريحة حاضرةً في طلّة المرأة العصرية. وأحدثت كوكو شانيل، واسمها الأصلي غابرييل شانيل، ثورة في الموضة النسائية في القرن العشرين، تختصرها بقولها: "ثمّة عالم سينتهي، وآخر سيولد. كنا بحاجة إلى البساطة والراحة والوضوح".

ومنذ بداياتها في العقد الأول من القرن العشرين، كانت شانيل تسير في الاتجاه المعاكس لأزياء عصرها: ترتدي بنفسها الملابس التي تصممها بينما كان زملاء المهنة الرجال يصممون أزياء لأنوثة مثالية.

تميّزت أزياء "كوكو" بكونها توفّر المرونة، خصوصاً وأنها مستوحاة من الملابس الرياضية وتستعير فيها بعض خصائص ملابس الرجال الأنيقة. ولجأت المصممة إلى "التريكو" و"الجيرسيه" و"التويد" لابتكار ملابس تتسم بالأناقة من دون أن تبدو رسمية.

ولاحظت مؤرخة الفن والأستاذة في "سنترال سانت مارتينز" بلندن كارولين إيفانز أن الصور التي تعود إلى العشرية الأولى من القرن العشرين "تُظهر إتقان شانيل مظهر اللامبالاة التي يتصف بها الذكور، بحسب وضعية العارضات اللواتي يضعن أيديهن في عمق جيوبهنّ".

لم تكن هذه الوقفة مألوفة في ذلك العصر، إلا أن المصممة جعلت عارضاتها يعتمدنها أيضاً، وأرادتهن نسخاً تشبهها، أي نحيفات، مسطحات الصـــــدر، مستقيمات الجسم.

وأشارت مديرة متحف "قصر غالييرا" المخصص للأزياء في باريس ميرين أرزالوز الى أن "بول بواريه حرر النساء من مشدّات الخصر أو الكورسيه، لكنّ شانيل هي التي ركّزت ابتكارها على المرأة، ومفهومها للأناقة مرتبط بعفوية المظهر وحرية الحركة".





وتتيح زيارة المعرض الاستعادي المخصص لشانيل في غالييرا والذي افتُتح في تشرين الأول الفائت قبل الإغلاق العام الثاني، ملاحظة الدرجة القصوى من الحداثة في تصاميمها عشية ذكرى نصف قرن على وفاتها في 10 كانون الثاني 1971. وأوضحت مديرة المجموعات في غالييرا فيرونيك بيلوار أنّ "ما طرحته شانيل في عصرها كان طليعياً جداً، فهذه هي الأمور التي تقوم بها جميع النساء اليوم، وهي المزج بين العادي والأنيق، بين المجوهرات التقليدية وتلك الغريبة بأشكالها والمواد المستخدمة فيها".

وكتب مؤرّخ الموضة أوليفييه سايار أن "الفستان الأسود هو شكل تجريدي من اللباس الذي ترتديه جميع النساء، لكن شانيل لم تتوقف عند هذا الحد. لكن فضلاً عن "إطفائها" الألوان، فإنها تقطع رؤوس الفساتين وتزيل ياقاتها وتخلع منها الدعامات الزخرفية وتزيلها وتمحوها".

وفي العام 1921، ولد عطرها "الرقم 5"، وهو "مصَنَّع واصطناعي مثل فستان"، لا يذكّر بأي رائحة معينة، إذ يجمع روائح الأزهار والخشب والتوابل. أما زجاجة عطرها هذا، فتميّزت ببساطتها، وبشكلها الهندسي، باللونين الأسود والعاجي، على نمط أزيائها.

وعندما عادت شانيل إلى المهنة عام 1954 (بعد مرحلة من التعاون مع الألمان أثناء الحرب العالمية الثانية أعقبها المنفى في سويسرا)، كانت حقبة الـ"نيولوك" من كريستيان ديور والشكل الذي يمجّد معايير الأنوثة القديمة مسيطراً على الموضة. لكنّ غابرييل شانيل التي كانت في الواحدة والسبعين، تموضعت مجدداً بعكس التيار. فبزّتها النسائية التي تتميز ببساطة قصاتها، تعرّضت بدايةً للانتقاد بسبب افتقارها إلى الحداثة، قبل أن تصبح لعقود قطعة أيقونة المرأة النشيطة والعاملة.

وأشار سايار إلى أن شانيل "ابتعدت عن أسلوب الخمسينات المنمّق وأصبحت بمثابة مرشدة روحية للشباب".

أما الأكسسوارات، فعبّرت هي الأخرى عن سعي شانيل إلى الطابع العملي، ومنها الأحذية ذات اللونين- التي يوحي البيج فيها بأن الساق أطول، وتخفي البقع بطرفها الأسود - أو الحقيبة المبطنة التي توضع على الكتف لأن شانيل "تعبت من حمل الحقائب بيدها وإضاعتها في ما بعد".

وبدت حقيبة شانيل منظمة بطريقة مدروسة من الداخل، ويتوافر فيها عدد من الجيوب، أحدها مخصص لأحمر الشفاه.

وشرحت المسؤولة عن التراث في شانيل جولي ديدييه أن "المرأة تعيد رسم وجهها من خلال إبراز نظرتها وتلوين شفتيها بالأحمر، في حين أن الماكياج الكثيف كان في السابق حكراً على الممثلات وسيدات المجتمع".

وفجّرت غابرييل شانيل غرابة تصاميمها في المجوهرات، من الأسلوب البيزنطي إلى الباروكي مروراً بالنمط المصري، معيدة من خلالها النظر في معايير الفئات المجتمعية.

وأسلوب شانيل الذي "لا توجد من دونه امرأة جميلة الملابس"، وفقاً لمجلة "فوغ فرانس" عام 1927، لا يزال هو نفسه، في عروض شانيل اليوم كما في الأمس.


MISS 3