جان م صدقه

الله لا يسكن في بيروت

16 كانون الثاني 2021

02 : 00

أين تقع "مدينة الله" التي تحدّث عنها أغوسطينوس؟ وأيّ مدينة يقيم فيها الله بحسب البابا فرنسيس؟

يسكن الله في السماء

ترى الديانات التوحيديّة أنّ الله يسكن في السماء، كما تقول الصلاة الشهيرة: "أبانا الذي في السماوات" (متّى 6:9). وتتفق الديانات السماوية وخصوصاً الإبراهيمية منها كاليهودية والمسيحية والإسلامية على وجود عرش سماوي لله، يجسّد الهيمنة المطلقة على كل السماوات والأرض ومن فيها من مخلوقات، وهو بمثابة مركز تصدر منه الأوامر الإلهية. عند اليهود، ذكر سفر التكوين أن للرب عرشاً وأن روح الله على الماء، ما يعني أن العرش على الماء. ويخبر الكتاب المقدس ان لله مقرّ سكنى محدَّداً هو السماوات حيث صلاة للملك سليمان دعا الله فيها قائلاً:‏ "اسمع انت من السماوات،‏ مقرّ سكناك" (1ملوك 8:43).

لكنّ مفهوم الدين اليهودي لعرش الرب يرتكز بشكل أساسي على رؤى أربعة أنبياء من العهد القديم وهم ميخا وأشعيا وحزقيال ودانيال. ويقال إن العرش يقع فوق السماء السابعة التي تدعى أرابوث Araboth. ويتفق المفهوم المسيحي مع المفهوم اليهودي في كون السماء هي عرش الرب، وتنص رؤيا يوحنا على وجود 7 أرواح للرب أمام العرش. وفي الاسلام، يسكن الله في العرش فوق السماء السابعة، كما روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ".


يعيش الله في الإنسان


أعطى بولس رؤية مختلفة لمسكن الله، حيث قال في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس: "أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟" (3: 16)؟ يقلب بولس مفهوم الله: لم يعد الإنسان هو من يذهب إلى بيت الله، بل الله الذي يذهب إلى بيت الإنسان. 


لكنّ يوحنّا ذكر أنّ يَسُوع َقَالَ: "إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلًا" (14: 23). إن إله إنجيل يوحنا يعيش مع الناس ويشاركهم حياتهم اليومية. إنه لا يسيطر علينا من علو السماء، بل يعيش معنا. الله هو استجابة لدعوة. إن المرء هو الذين يدخل الله إلى حياته تماماً بحسب الفيلسوف مارتن بوبر: "Où habite Dieu? Dieu habite où on le fait entrer".

يعيش الله في القلب بحسب أغوسطينوس

تحت عنوان الله في القلب (الاعترافات، الكتاب العاشر، الفصل 24 و25) كتب أغوسطينوس: " كم كانت نفسي جزعة يا إلهي وانا كحمل ضال حينما بحثت عنك بعيداً بينما كنت انت في داخلي وكم جذبتني اليك. نفسي تواصل البحث عنك بدوافع رغباتي بينما انت ساكن في قلبي. اخذت في البحث عنك في كل مكان في الاحياء وفي الطرقات العامة من مدينة هذا العالم ولم اهتد. نظرت من حولي في قصور وجهل، سألت رفاقي عن كنز مخبأ في قلبي وأطلقت لجميع حواسي العنان كرسل أوفياء لتبحث عنك وتطاردك، وبقوتها لم تستطع ان تلحق بك وتدركك وقد تملكتها الدهشة".


الله يسكن في كلّ مكان


لكن ماذا عن مقاطع الكتاب المقدس التي توحي ان الله حاضر في كل مكان؟‏ مثلاً،‏ قال داود عن الله في المزمور 139: 7 - 10: "أين أذهب من روحك ومن وجهك أين أهرب. إن صعدت الى السماوات فأنت هناك. وإن فرشت في الهاوية فها أنت. إن أخذت جناحي الصبح وسكنت في أقاصي البحر فهناك ايضاً تهديني يدك وتمسكني يمينك".‏


يسكن الله في شوارع المدينة فلماذا لا نراه في بيروت؟


في تغريدة على صفحته في 31 تشرين الأوّل 2020، كتب البابا فرنسيس أنّ "الله يسكن شوارع ومنازل المدن. نحن بحاجة إلى التعرف على المدينة من نظرة تأملية، من الإيمان الذي يكتشف هذا الإله الذي يسكن في بيوتها وشوارعها، وهذا الوجود يجب اكتشافه وكشفه. الله لا يتستر على من يطلبه بقلب صادق...". لكن يا قداسة البابا، أين الله من شوارع بيروت وأجنحتها المتكسّرة؟


لا منارة على رصيف المرفأ


إن كنت غادرت شوارع بيروت ومنازلها ففي أيّ مدينة إذن تسكن اليوم يا سيّد؟

في نيويورك أم في باريس أم لندن أم دبي الساحرة؟

لعلّك غادرت بيروت على عجل مذ شوّه انفجار مرفئها ثوب العرس

إثر رحيلك، تحوّلت عاصمة لبنان الكبير إلى مدينة موبوءة

تسرح فيها الأوبئة السياسيّة والماليّة وكلّ أنواع قادة الفساد

يمرح فيها الصيارفة والتجّار والفرّيسيّون وبائعو الحمام

لا تعد إلى بيروت فلن تجد أحداً يسهر معك

على مثالك، بيروت وحيدة تنازع.



MISS 3