بشارة شربل

أتحِفونا بكذبة جديدة!

22 كانون الثاني 2021

02 : 00

ذهب ترامب وجاء بايدن. لم تزلزل الأرض ولا انقلبت سياسة الولايات المتحدة فوراً رأساً على عقب. ويفترض ان اللبنانيين اكتشفوا كذبة انتظار انتقال السلطة في واشنطن، وشاهدوا الأميركيين يصححون مسار ديموقراطيتهم من داخل المؤسسات، فيما بقينا دولة فاشلة وشعباً على رصيف التوقعات والأوهام.

نحن في انتظار الحجة الجديدة التي سيلجأ اليها معرقلو تأليف الحكومة الذين دمروا المبادرة الفرنسية التي شكلت أملاً للبنان بعد جريمة 4 آب. وإذ انقضت على خير وسلام الخشية من اندلاع حرب في الأيام الفاصلة بين انتخاب الرئيس الأميركي ودخول البيت الأبيض، فإننا نتشوّق للذريعة التي سيلجأ اليها "حزب الله" لتأخير التشكيل كونه صاحب القرار و"المَونة" ليس بالحرب والسلم فحسب بل في تركيبة الحكومة وحصص حلفائه ورابطي النزاع معه.

ما الذي يؤخر تشكيل الحكومة اليوم؟ بالتأكيد، ليس الخلاف الشخصي المستجد بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف. فالاتهام بالكذب يهون أمام مصلحة البلاد. وما يقال في كواليس الطرفين أفظع بكثير من الذي تسرب وبات ملك الرأي العام. ولحسن الحظ ان الرئيسين لم يتوقفا سابقاً بإصرار أمام إهانات أقذع وظروف أصعب تعرضا لها وكانت تستحق فعلاً مواقف قاطعة مشرفة وخصومات وعداوات، ولن يجعلا اليوم محض "سحابة" تعكر عليهما واجب الانقاذ.

سئم اللبنانيون لعبة تقاذف المسؤوليات في منع ولادة حكومة تُنهي زمن حسان دياب. ولعل الرئيسين "اللدودين" والذين خلفهما نسوا ان الكارثة الصحية التي يعانيها الناس ليست مجرد قدر هبط من "يوهان"، بل هي أيضاً ناجمة عن سوء ادارة المنظومة بمجملها للبلاد وإغراقها في الفساد، وصولاً الى نهب ودائع المواطنين والتسبب بانفجار النيترات. لذا فإن الواجب، إن لم يكن أضعف الايمان، يفرض الاسراع في اعلان حكومة توقف مسلسل الانهيار، وأن تنتهي معزوفة "التضحية" التي يلجأ اليها الفرقاء السياسيون وكأن لهم دين مستحق في رقبة الناس، فيما العدل يقتضي ان يكونوا تحت سيف الحساب.

هي في النهاية معركة محاصصة، مهما اتخذت من أشكال طائفية أو حزبية أو تدثرت برداء استراتيجية "محور الممانعة" لمواجهة الأعداء. فالثلث المعطل حصةٌ، حساباتها تتعلق بخلافة الرئيس عون لدى الوريث المعاقَب ولدى "حزب الله". وغياب "الثلث" حصةٌ يضعها الرئيس الحريري في التوازنات السياسية والرئاسية. أما "التناتش" على الحقائب فهو أيضاً تحاصص يتعلق بفتح الملفات أو الخشية منها، وبتوقُّع عقد صفقات واحتمالات نهب ما تبقى.

لن يستطيع أحد "بيعنا" ذريعة استكشاف سياسة بايدن تجاه طهران و"الملف النووي" لتبرير مزيد من إضاعة الوقت على اللبنانيين. فايران نفسها غير مقتنعة بأن الأمور يمكن ان تعود الى الوراء، أو بأن الادارة الجديدة لن تبني على مكتسبات ترامب وما أنجزته ضغوطه القصوى، سواء بالعقوبات أو بعمليات اسرائيل ضد الوجود الايراني على الملعب السوري.

وصلت الكذبة الى نهايتها. شكِّلوا حكومة ولو كانت تشبهكم، فما يشبهنا هو العكس على التمام.