سناء الجاك

سويسرا وأخواتها

26 كانون الثاني 2021

02 : 00

لماذا تحتضن مصارف سويسرا مليارات من الدولارات في حسابات تعود إلى مسؤولين لبنانيين؟؟

فالمنطق يشير إلى أنّ مجرّد وجود هذه الحسابات هو إدانة لهؤلاء. وسؤالهم "من أين لكم هذا"؟ هو بيت القصيد. فهم لم يحصِّلوا هذه الثروات من عرق جبينهم أو ورثة عن المرحوم.

والأمل يكمن في كشف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المستور، بعدما "زركه" "العهد القويّ"، ومن يبرمجه ويحرّكه وِفقاً لغاياته التي تنعكس خراباً على لبنان.

وإقدام الحاكم على هذه الخطوة قد لا يمنحه البراءة. ولكنّه ربّما يقود إلى فضح أركان هذه المنظومة الذين يصرِّون على إدّعاء العفّة السياسية وبراءة الذمّة المالية. ولعلّ إعلانه أنّه سيضع ما لديه في جعبة القضاء السويسري هو الخطوة الأولى في تداعي دومينو النهب الممنهج الذي يمارسه أركان المنظومة. وليس السبب خوفه من نزاهة القضاء اللبناني، ولكن من إستنسابيته. لذا، فضّل قضاءً لا يتحكّم به المبغضون له، ملوِّحاً بفضح الجميع، وكأنّه يقول: "عليّ وعلى أعدائي وأصدقائي، فأنا الغريق وما خوفي من البلل. ولن أتحوّل كبش محرقة.. وسأبقّ البحصة التي تسند هيكل الفساد على رؤوسهم".

لكنّ الحذر واجب من مثل هذا التلويح الذي قد يُشكِّل دافعاً لإنهاء المسألة بتسوية قذرة، كما عهدنا ونعهد منذ أن أصبحت ساحتنا محكومة بمعادلة "نأخذ السيادة ونعطيكم خيرات البلاد لتنهبوها".

وبعد وقوع فأس الإنهيار الإقتصادي والمالي في رأس حاكم مصرف لبنان، ليس لنا إلا أن نترقّب تطوّرات المسار القضائي السويسري، ووصوله إلى البراهين الكافية التي تمكّنه من مقاضاة أصحاب المليارات المهربة.

مع الإشارة إلى أنّ العمل الروتيني لتعقّب آليات صرف المال العام لن يظهر مصدر الثروات، والأوراق الرسمية للصفقات مدروسة "عالبكلة"، ولا يمكن العثور فيها على عِلَّةٍ غير قانونية يمكن العبور منها الى مساءلة أثرياء النهب في المنظومة. بالتالي أموال هذه الصفقات التي نخرت ميزانية الدولة تحظى بشرعية ورقية مثالية، وقمّة في الشفافية.

وليس لغزاً أنّ الفاسدين متمرّسون في إخفاء الأدلّة وتمييعها، سواء تعلّق الأمر بنهب المال العام أو بإرتكاب الجرائم الموصوفة وغير الموصوفة. فهم يعرفون أنهّم بمنأى عن أيّ ملاحقة قضائية ما دامت التوازنات على حالها. وبالهم مرتاح الى أنّ مصير الأموال العامة ودولارات اللبنانيين التي صادرها المصرف المركزي، ومن ثمّ بدّدها، سيبقى مجهولاً... وكأنّ رمالاً متحرّكة إبتلعتها.

ومن أين سيأتيهم شغل البال؟ فمجلس النواب أصدر قانوناً ينصّ على أنّ مبدأ رفع السريّة يحصر الحسابات التي يشملها بحسابات مصرف لبنان والوزارات والمؤسّسات العامة والمجالس والصناديق والمصالح المستقلّة، في حين شكّل لهم درعاً واقياً كفيلاً بحمايتهم وحماية سماسرتهم مع عبارة "تبقى أحكام قانون السريّة المصرفيّة سارية في كلّ ما عدا ذلك".

وآخر همومهم الإصلاح وإسترداد الدولة اللبنانية الأموال المنهوبة من خلال التدقيق الجنائي المالي.

والتدقيق الوحيد المسموح به يرتبط بالكيديات والمصالح الضيّقة لمن يصرّ على إزاحة من يزعجه ويعرقل مشروعه للإمساك بكلّ مفاصل الدولة.

أمّا الممنوع فهو المسّ بمليارات المسؤولين اللبنانيين في بنوك سويسرا وأخواتها.

فالقضية تتحوّل حينها مسّاً بحقوق الطوائف.. ويا غيرة الدين!!


MISS 3