جاد حداد

I Care a Lot... التمثيل نقطة قوّته

24 شباط 2021

02 : 00

في فيلم I Care a Lot (أهتمّ كثيراً)، يختار طبيب مريضة متقدمة في السن يعتبرها مرشّحة مناسبة للخضوع للوصاية: يجب أن يملك المرشّح ثروة طائلة وألا يكون مسناً أو عاجزاً أكثر من اللزوم، لكنه على وشك الإصابة بالخرف. يوقّع أحد القضاة أمراً من المحكمة للتأكيد على عجز تلك المرأة عن الاعتناء بنفسها وحاجتها إلى شخص آخر لمساعدتها. ثم تحضر حارسة قانونية إلى منزل المريضة وهي تحمل تلك الوثيقة وتخبرها بأنها باتت مسؤولة عنها، وتؤكد على أنها ستهتم من الآن فصاعداً بشؤونها المالية وأملاكها. يقود سائق المرأة المريضة إلى دار للرعاية بالمسنين حيث يرافقها المدير إلى غرفة خاصة ويَعِدها بأن تلقى هناك معاملة الملوك. لكن حين تستقر الأوضاع، تصبح الحارسة قادرة على اختلاس أموال تلك المرأة بلا رادع.

تقدّم بطلة العمل روزاموند بايك أداءً قوياً وتجسّد أعلى درجات الجشع داخل نظام قابل للاستغلال عبر شخصية "مارلا غرايسون". "مارلا" هي امرأة يُحرّكها طموح بارد وجارف. يسهل أن تتضح هذه الصفات لديها من دون الحاجة إلى التعليق الصوتي الذي يرافق المشاهد الأولى، حيث تُبرّر خداعها قائلة: "التعامل المنصف مزحة اخترعها الأغنياء لإبقاء بقية الناس فقراء". خلال جلسة استماع في المحكمة في بداية الفيلم، تقول "مارلا" بأسلوب مقنع وواضح إنها تستطيع أن تُقيّم الخطوات التي تصبّ في مصلحة عملائها بدقة تامة لأنها غير مرتبطة بهم، على عكس أفراد العائلة الذين يحملون خلفية عاطفية مشحونة وتوقعات مالية معينة. يتعلق هدفها الأساسي بتحقيق مصلحتها الخاصة. حين تتلقى خبر وفاة أحد عملائها إذاً، تزيل صورته المُعلّقة إلى جانب عشرات الصور الأخرى على الجدار وترميها في سلة المهملات من دون أن تبدي أي ذرة تعاطف.





في المقابل، تؤدي ديان ويست دور المرأة المريضة "جنيفر بيترسون". لا وجود لأي أولاد أو زوج أو أفراد عائلة أحياء في حياتها. هي مصابة بأولى مراحل الخرف، لكنها لا تزال ناشطة ومن المتوقع أن تبقى على قيد الحياة لوقتٍ طويل. "جنيفر" مجرّد امرأة مسنّة لطيفة وعادية وتعيش حياة طبيعية بشكل عام. لكنها "منجم ذهب" حقيقي برأي "مارلا" وشريكتها "فران" (إيزا غونزاليس).

لكن ما لا تعرفه هاتان المرأتان هو أنهما اختارتا الضحية الخاطئة هذه المرة. سرعان ما تثيران غضب أشخاص خطيرين وعنيفين بعد خطف هذه المتقاعدة اللطيفة ظاهرياً واحتجازها واختلاس أموالها. يقدّم الممثل بيتر دينكلاج أداءً سلساً وبارداً بدور المجرم الروسي المتقلب، ويظهر كريس ميسينا في مشهدٍ ضخم بدور محاميه معسول اللسان، فيتوجه إلى مكتب "مارلا" ويحاول تليين موقفها قبل البدء بتهديدها. يمكن اعتبار هذه المشادة المحتدمة بينهما أهم لقطة في الفيلم لأن الممثلَين يستعرضان فيها قدراتهما التمثيلية الهائلة ويقدّمان المستوى نفسه من الأداء المتقن.

يطرح الكاتب والمخرج جي بلايكسون فكرة مبتكرة في هذا المجال ويقدّمها بطريقة سلسة وحيوية في آن. لا شك في أن طبيعة هذه الشخصيات الطفيلية واللامبالية تبقى مزعجة في جميع الأحوال، لكنّ الأسلوب السردي الحيوي يتابع جذب انتباه المشاهدين طوال مدة العرض، على غرار ما تفعله بايك بأدائها المتقلّب والمتنوع. يبدو أداؤها آسراً بفضل الثقة التي تعكسها وقدرتها على التلاعب بالمحيطين بها والتفوق عليهم في جميع المواقف. "مارلا" امرأة مريعة ولن يُشجّعها أحد على ما تفعله طبعاً، لكن لا مفر من أن نشعر بالفضول حول قدرتها على تنفيذ أغرب خطة لها حتى الآن. وحين نكتشف أخيراً هوية "جنيفر بيترسون" الحقيقية وطبيعة معارفها، تكشف ديان ويست عن شخصية لاذعة ومرحة بعد تلقيها مجموعة أدوية لا تحتاج إليها على الأرجح.

في النهاية، ستتلاشى الأجواء المعزولة والمربكة التي تطغى على جزء كبير من الفيلم لتحلّ مكانها أجواء عاطفية حقيقية، وسرعان ما تتحول هذه الكوميديا السوداء إلى قصة قاتمة بامتياز. تستطيع بايك أن تفعل كل ما تريده ويمكن اعتبار هذا الدور الأقوى في مسيرتها منذ Gone Girl (الزوجة المفقودة)، لكن يصبح فيلم I Care a Lot أقل إثارة للاهتمام حين تسمح شخصيتها لعواطف مثل الخوف بالتسلل إلى حياتها. لن نحتاج إلى مبرّر لتصرفات "مارلا" المشينة لأن تصويرها كوحش حقيقي يعطي قوة للعمل. حتى أنها تصبح امرأة خارقة في نهاية المطاف حين تواجه مخاطر حقيقية، ولا خيار أمامنا إلا تصديقها!