ريتا ابراهيم فريد

مبادرة "الله يراني"... البحث عن نعمة سماوية

26 شباط 2021

02 : 00

حين تتوالى المصائب، وتتكاثر الصعوبات التي تعاكس البشر في بلاد يرزح فيها المواطنون تحت ثقل أزمة إقتصادية خانقة وحكّام غير آبهين، أضيف إليها تفشٍّ هائل لوباء لعين، قد يشعر البعض حينها أنّ جميع الأبواب أقفلت.

إلا أنّ ضوءاً صغيراً قد يشعّ من مكان ما، على شكل مبادرات جميلة نابعة من حسّ وطني وإنساني. فاللبنانيون أيقنوا أنّ السبيل الوحيد لتجاوز أيّ أزمة يكمن في التعاضد والتضامن بين بعضهم البعض.

فظهرت مبادرات فردية كثيرة تباركها النيات الطيبة، ويشارك فيها متطوّعون يعملون بمحبة، شرّعوا أبواب قلوبهم لتقديم الخدمات والمساعدات من دون أيّ مقابل.

ومن بينها مبادرة لافتة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال صفحة على موقع فيبسوك تحمل إسم "الله يراني- لمساعدة كل محتاج".

الأخ إسطفان مثالي الأعلى


مؤسس المبادرة ألبير رزق الله



"نداء الوطن" تواصلت مع مؤسّس المبادرة ألبير رزق الله، الذي أشار الى أنّه اعتمد عبارة "الله يراني" نسبة الى الشعار الذي كان قد أطلقه الطوباوي الأخ إسطفان نعمة الذي يعتبره مثاله الأعلى، حيث أنّه كان مثالاً للتواضع والتقوى، وكان يعمل بنفسه في الحقول. وأضاف أنّه اختار هذه العبارة بالذات لأنّ الهدف الأساسي من كل ما يقوم به هو أن يكسب نعمة سماوية من الله وحده، لا أن يستعرض ويلتقط الصور كي يراه الناس، حسب قوله.

وأوضح رزق الله أنّ المبادرة انطلقت عقب انطلاق انتفاضة 17 تشرين حين بدأت تتدهور الأوضاع المعيشية بشكل سريع، حيث خسر عدد كبير من اللبنانيين أشغالهم، أو توقّفوا عن الحصول على رواتبهم، توازياً مع عدد من المؤسسات التي أقفلت أبوابها.

وكان هناك رجل مسنّ في منطقة ذوق مكايل بحاجة الى بعض الأدوية. فقام ألبير بكتابة منشور عنه على حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، مناشداً تقديم المساعدة له ممّن يستطيع ذلك. المنشور لاقى تجاوباً كبيراً، وبادر كثيرون لمساعدته وتأمين الأدوية له. حتى أنّ البعض زاروا المسنّ في منزله وتبرّعوا له بمبالغ مالية وبموادّ غذائية، إضافة الى وجبات طعام وطبخ منزلي.

من هُنا بدأت الفكرة. فلاحظ ألبير أنه بطبيعة عمله كـ"شيف" مطبخ، يستطيع من خلال وظيفته أن يساعد العائلات التي تعجز عن تجهيز الطعام، ويقدّم لها صحناً يومياً من طبخه. وكانت البداية مع عائلة واحدة، ثمّ بدأ بالتوسّع شيئاً فشيئاً حتى باتت تشمل اليوم أكثر من مئتين وخمسين عائلة.

التركيز على الأطفال والمسنّينوفي حزيران الماضي، افتتح ألبير مركزاً صغيراً في منطقة كرم الزيتون في الأشرفية، حيث يتمّ فيه تحضير الطعام وجمع التبرّعات. إذ بادر عدد كبير من الأشخاص الى تقديم المساعدة بعد أن سمعوا عن المبادرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والبعض أرسل المساعدات من بلاد الإغتراب. كما حضرت بعض النساء شخصياً الى المركز لتقديم الخدمات أو المشاركة بتحضير الأطباق اليومية.

وإضافة الى الطعام، أشار ألبير الى أنهم يعملون أيضاً على تأمين أدوية، أجهزة أوكسيجين أو بعض المستلزمات الطبية، حليب للأطفال، حفاضات، إضافة الى محاولة تسديد إيجارات منازل. ويقول في هذا الإطار: "نسعى كي تكون المساعدات على نطاق واسع يشمل مناطق لبنانية عدة. كما أحاول بشكل خاص التركيز على مساعدة الأطفال والمسنّين. فالشباب بأعمار الثلاثين والأربعين قادرون على العمل، وهؤلاء نساعدهم مرة أو مرتين حتى "يوقفوا ع إجريهن"، ثم يكملون بمفردهم".

تجدر الإشارة الى أنّ المركز الذي تمّ افتتاحه في الأشرفية لم يسلم من كارثة انفجار الرابع من آب، فتضرّر بكامله، لكن أعيد إصلاحه من جديد. وخلال هذه الفترة عمد ألبير الى تجهيز الأطباق في منزله. كما تطوّع عدد من أقربائه وزملائه الطباخين أيضاً لتقديم المساعدة في تجهيز الطعام، فكانوا يتوجّهون برفقته يومياً الى منطقتي مار مخايل والجميّزة والمرفأ ويوزّعون الطعام على الناس في الطريق.


باعوا العفش وناموا على الأرض

عائلات كثيرة تتواصل يومياً مع المركز طلباً للمساعدة. وفي هذا الإطار، تحدّث ألبير عن عائلة أثّرت به بشكل خاص، إذ كانت قد باعت عفش المنزل بالكامل، مع الثياب والمقاعد والأسرّة، حتى بات أفرادها ينامون على الأرض أو على كراتين يحضرونها من بعض الدكاكين القريبة. وعوضاً عن المخدّات، كانوا يجمعون القطن ويضعونه في داخل الأكياس كي يلقوا برؤوسهم عليها. لافتاً الى أنّ المركز ساعدهم على تأمين فرش جديد للمنزل. وأضاف: "حتى الآن استطعنا أن نساعد كل من لجأ إلينا ولم يحدث أن عاد أحد خائباً. ربما نتأخّر قليلاً في بعض الحالات الصعبة التي تحتاج الى مبالغ كبيرة، مثل طفل مصاب بالسرطان كان بحاجة الى إجراء عملية جراحية ذات تكلفة كبيرة. الأمر استغرق حينها حوالى شهر، لكننا نجحنا في النهاية بتأمين المبلغ على دفعات".





لا شيء يخيفنا لأن الرب معنا

وعن نجاحه في التوفيق بين عمله وبين الاهتمام بأمور المركز، قال ألبير: "الله حدّي، كرمال هيك عم بقدر لحّق ع كل شي"، مشيراً إلى أنّ الرب وحده يعطي دفعاً وقوّة للاستمرار. فبالرغم من التعب والضغط النفسي الهائل الذي يعاني منه الجميع، يردّ ألبير على كل الذين يتواصلون معه حتى لو كان الوقت متأخّراً، ولم يحدث أن تذمّر من أيّ طلب.

وفي حين أنّ المساعدات والهبات المقدّمة الى المركز انخفضت قليلاً مع اشتداد أزمة كورونا، قال ألبير: "نحاول اليوم اقتطاع نسبة معينة من رواتبنا أو من مصروف المنزل. فنحن مستمرّون في عملنا مهما حصل، وحتى وباء كورونا لا يخيفنا"، مشدّداً على أنّ المتطوّعين يتلزمون بكامل الإجراءات الوقائية من الفيروس.

وختم بالقول: "رغم أنّ المسؤولية تكبر يوماً بعد يوم. لكن حتى الآن لم أشعر بعد بأي تعب. وحتى لو شعرت، حبتين بانادول وبيمشي الحال".